أطلق المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ومركز القانون الدولي الإنساني نداءً تحذيرياً لكل من ليبيا والجزائر، من عواقب استمرار استخدام نهج القوة العسكرية أو المعاملة القاسية والإهمال المتعمد في التعامل مع المهاجرين الأفارقة في أراضيهما وعلى حدودهما وهو ما يمثل انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان.
ولفت بيان مشترك صدر عن المنظمتين وتلقته وكالة "صفا" الاثنين، إلى أنه وفي الوقت الذي يجري استهداف العديد من المهاجرين الأفارقة بالقتل والتعذيب في بعض المناطق الليبية، يتم ترحيل المئات منهم قسرياً من الجزائر إلى الصحراء دون ماء أو طعام ويتركون فريسة للموت أو الاستغلال من قبل مجموعات الاتجار بالبشر والمهربين.
وأوضحت المنظمتان أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية مثلت أزمة إنسانية وأمنية متزايدة للعديد من الدول في السنوات الأخيرة، غير أن ذلك لا يمكن أن يبرر بحال الإجراءات والظروف القاسية التي يتعرض لها المهاجرون في ليبيا والجزائر، ولا سيما في المدن الحدودية، حيث تنتهك كرامة العشرات منهم إلى أبعد حد.
وقالت إنّهما وثقتا تعرض مركبة تقل عدداً من المهاجرين غير الشرعيين شرق مدينة الكفرة في الجنوب الشرقي لليبيا، بتاريخ 14 مايو الجاري للقصف من قبل طائرة- يقول السكان إنها تتبع للسلطات المصرية -، ما نتج عنه إصابة 8 أشخاص يحملون جنسية دولة أريتريا -إصابة أحدهم بليغة حتى اللحظة- وهم يتلقون العلاج في مستشفى الكفرة العام الذي يفتقر لأبسط الخدمات الطبية والإنسانية.
وبيّنت المنظمتان أن هذا الاستهداف جزء من عمليات استهداف مستمرة بالطائرات للمهاجرين في منطقة الكفرة -التي تقع على حدود ليبيا مع مصر والسودان- لدواع يقال بأنها أمنية.
ويتعرض العديد من المهاجرين للاعتقال التعسفي والاحتجاز القسري ويدفع العشرات منهم للقتال مقابل المال كمرتزقة في مدينة سبها في الجنوب الليبي، والتي تشهد صراعاً مسلحاً منذ ما يزيد عن شهر كامل بين مجموعات قبلية. وأشارت المنظمتان إلى تقارير تفيد أنّ العديد من عناصر الأمن الليبي مسؤولون بشكل أو بآخر عن عمليات تعذيب واحتجاز ومعاملة لا إنسانية للمهاجرين في مراكز الإيواء أو الاحتجاز.
وفي شهادته للمنظمتين قال "كوو فرانك" البالغ (26 عامًا)، وهو من دولة غانا وكان دخل ليبيا بطريقة غير قانونية رغبةً في العمل في إحدى مدن الشمال الليبي: "تعرضت للاحتجاز من مجموعة مسلحة في مدينة أوباري الليبية، لمدة 3 أسابيع في غرفة صغيرة بها 30 شخصًا من دول أفريقية عدة بلا أكل ولا شرب".
وذكر دابا أدو (23عامًا) أنه تعرض للتعذيب بآلة حادة تسببت في حدوث تشوهات بجسمه، ووصف بأن معاملة (الحيوانات) لا تزال أفضل مما تعرض له في ليبيا.
وقالت امرأة من دولة أثيوبيا في شهادة للمنظمتين، إنها تعرضت للاعتداء الجسدي أكثر من مرة من قبل المهربين أثناء دخولها لليبيا، وحتى بعد اعتقالها من قبل جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في ليبيا في مراكز الإيواء الرسمية، وفقًا لقولها، وهو ما أشارت إليه العديد من التقارير غير الرسمية، الأمر الذي يستدعي التحقيق في هذه الحوادث.
أما في الجزائر، فذكر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أنه سجل ارتفاعا ملحوظاً في عمليات الترحيل والطرد منذ النصف الثاني للعام الماضي والأشهر القليلة الأولى من هذا العام (2018)، حيث تقوم السلطات بترحيل المهاجرين الأفارقة الوافدين من جنوب الصحراء، وبشكل خاص من النيجر، الكاميرون، غينيا، نيجيريا، ومالي.
وقال الأورومتوسطي إن الإشكال هو أن معظم عمليات الترحيل تتم بصورة جماعية، ودون فحص حقيقي لكل حالة على حدة، حيث لم يخضع نصف المرحلين على الأقل لفحص جواز سفرهم قبل طردهم.
وأوضح أيضًا أنه وفي العديد من الحالات تم إلقاء القبض على المهاجرين من أماكن عملهم أو من الشوارع وجرى ترحيلهم دون أن يُسمح لهم حتى بجلب متعلقاتهم وجوازات سفرهم.
وقال مهاجرون إنه تم ترحيلهم بطريقة مهينة، حيث جرى احتجازهم أولا في قواعد عسكرية في ظروف مأساوية بلا فراش ومع القليل من الطعام لعدة أيام، فيما تعرض بعضهم للشتم والإهانة والضرب على أيدي قوات الأمن، وجرى نقلهم في شاحنات كبيرة ومكدسة مسافة تصل إلى 1900 كيلو متر من العاصمة الجزائر إلى حدود النيجر ثم تركوا، في العديد من الحالات مع أطفالهم، على بعد نحو 30 كيلومترا من الحدود في الصحراء، وعلى الغالب دون مياه أو طعام. وسجلت منظمة الهجرة الدولية موت العديد من هؤلاء في الكثبان الرملية دون التمكن من معرفة هوياتهم.
وأكد كل من المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ومركز القانون الدولي الإنساني في بيانهما على أن مكافحة ظاهرة الهجرة غير الشرعية ليست مبررًا لاستخدام القوة العسكرية في قصف مركبات المهاجرين أو في إساءة معاملتهم داخل مراكز الاحتجاز الرسمية أو مصادرة حقوقهم في العودة لبلدهم الأصلي بأمان.
وطالبت المنظمتان الحقوقيتان السلطات الليبية والجزائرية بالالتزام التام بالاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها والتي تؤكد على احترام حقوق اللاجئين والمهاجرين، ومراقبة مدى التزام أفراد الأمن في التعامل مع المهاجرين وفحص حالاتهم بشكل فردي ومعاملتهم وفق قواعد حقوق الإنسان.
ودعت السلطات التشريعية في البلدين إلى العمل على تعديل التشريعات بما يتلاءم مع اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية 1969 فيما يتصل بالجوانب المتعلقة باللاجئين في أفريقيا، مع ضرورة انضمام ليبيا للاتفاقية الدولية للهجرة 1951 وبرتوكولها 1967.