الشرق الأوسط يوجد في حالة تغيير دائمة.
العملية بدأت في إيران، بعد أن أحدثت الثورة دينامية شيعية تؤثر الآن أيضاً على مناطق واسعة ومهمة. وانضمت إلى ذلك قوات إسلام راديكالي كانت تحت الأرض منذ انهيار الخلافة الأخيرة - الامبراطورية العثمانية. الإسلام الراديكالي على اختلاف أنواعه، يعتبر أن سيطرة الإسلام هي الحل لمشكلات المنطقة ولضعف المسلمين في العالم، وبديل للعالم العصري وللدولة.
تقسيم المنطقة من البريطانيين والفرنسيين قبل مئة عام، حسب احتياجاتهما، أوجد دولا اصطناعية بعضها غاب عن الوجود وبعضها سيتحطم.
قوات قديمة، اختفت بسبب أدوات قمع السلطة الدكتاتورية في الدول التي سيطرت في المنطقة، عادت وظهرت، وفي مناطق كثيرة فإن العائلة، القبيلة، الطائفة والدين تحولت كلها إلى مركز التضامن والقوة بدل الدولة.
«الأحداث الأساسية التي شكلت المنطقة هي الثورة الإيرانية، صعود الإسلام الراديكالي بشكله السياسي، أحداث الحادي عشر من أيلول في الولايات المتحدة واحتلال العراق رداً على ذلك، الربيع العربي الذي بسببه انهارت بعض الدول وتم إضعاف دول أخرى وازدادت قوة الشارع.
ويضاف إلى ذلك ضعف الغرب برئاسة الولايات المتحدة، وعدم نجاعة المؤسسات الدولية، والقوات المحلية التدميرية المتميزة في كل دولة. النتيجة هي الوضع الحالي والمعقد على ضوء حقيقة أن قوات متعددة تحركه، أحياناً متناقضة وأحياناً تكمل بعضها البعض.
الحديث هنا عن الصراع على طابع ومستقبل الأمة العربية أو الإسلام، بين قوات التغيير التي هي فوضوية في بعضها، وبين من يحاول الإبقاء على الوضع الراهن. في حين أن العنف الذي تستعمله الأطراف واسع وقبيح، والإرهاب يحتفل.
«العملية في ذروتها، ولا يمكن معرفة كم ستتواصل وما هي نتيجتها، إنها موجة ذات أبعاد تاريخية واسعة في حجمها وعميقة في جوهرها، وبالتالي يصعب التأثير عليها بشكل إيجابي من الخارج».
ما جاء أعلاه هو تلخيص لورقة تقييم صدرت هذا الأسبوع في مركز «باسا» في جامعة بار ايلان.
عندما كتبت هذه الورقة لم تكن قد ظهرت بعد نجاحات تنظيم الدولة الإسلامية، وقد كان هذا قبل أن تثبت احتلالها لشمال سورية وقبل عملياتها في سيناء ضد الجيش المصري بعملية واسعة مخطط لها. وقد أثبتت هذه العملية أن التنظيم يملك في سيناء قدرة أكبر كثيرا مما كان متوقعا.
السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هذا الصعود يغير الصورة بشكل أساسي، كما جاء في ورقة التقييم المذكورة أعلاه، وهل يزدهر التنظيم بشكل لا يمكن وقفه؟.
العلم السني
أولاً، أريد التأكيد على أنه يجب عدم المبالغة.
حتى حادثة سيناء لم يكن التنظيم قد واجه جيشاً حقيقياً، وفي مواجهاته الصعبة مع المليشيات الكردية وأذناب الجيش العراقي لم ينتصر دائماً. ومهم القول، إنه نجح بشكل جزئي في سيناء ولفترة محدودة جداً.
وعندما تضامن المصريون وتغلبوا على المفاجأة – خرجوا فورا للهجوم المضاد وطردوا عناصر الإرهاب التي نجحت في مفاجأتهم. لقد تكبد الجيش المصري خسائر كبيرة في الأرواح، وليس لديه حل لبعض التهديدات على الأرض والنتائج أيضا ليست جيدة. لكن ليس هناك مثال على انتصار مجلجل للتنظيم في سيناء، وقد يكون العكس هو الصحيح. صحيح أن هذا صعب على المصريين لأنهم يديرون الحرب في جبهتين؛ في الجبهة الأكثر إلحاحاً داخل مصر، فهم يخوضون صراعاً صعباً ضد الإخوان المسلمين – الذين تم إسقاطهم ويقومون بحملة واسعة ضد السيسي، بما في ذلك استخدام الإرهاب في جميع أنحاء مصر. الجبهة الثانية هي محاربة امتداد تنظيم الدولة الإسلامية ومنظمات إرهابية أخرى انتشرت في شبه جزيرة سيناء ولم يعالجها أحد بالشكل الصحيح منذ حكم مبارك.
ومع ذلك، فان الجيش المصري لم ينسحب وهو فزع. والفهم أن التنظيم قد فشل في نهاية الأمر هو شيء مهم، لأنه يعطي بُعدا واقعيا للهالة التي لتنظيم الدولة الإسلامية.
وفي نفس الوقت لا يمكن تجاهل نجاح التنظيم في استقطاب آلاف الأشخاص من العالم العربي والعالم الغربي، من القفقاس وحتى استراليا. يبدو أنه إضافة إلى نجاحه فإن قوته تنبع من حملة راية السنّة، ويبرز كونه طاهرا من الناحية الدينية، وسعيه إلى العودة إلى المصادر وإعادة الأمجاد على شكل الخلافة الإسلامية ودعوته جميع المسلمين لتنفيذ العمليات وأن ينضموا إليه فيزيائياً، أي الهجرة التي هي تقليد لهجرة محمد. التنظيم يستخدم بشكل متعمد المفاهيم المقدسة لأن النبي فعل ذلك قبل 1300 سنة. وهو يحاول إحياء الماضي المجيد وجذب الناس بالاعتماد على الولاء الديني، والرد على البحث عن الهوية للكثيرين من أبناء الجيل الإسلامي الشاب في أنحاء العالم.
ليس مفاجئاً أن التنظيم قد بدأ طريقه ونجح في غرس جذوره في المناطق التي تتميز بميزتين: الأولى، لا يوجد فيها سيطرة منظمة. مناطق الفوضى هي مناطق النمو الطبيعي له. والثانية هي أن الحديث يدور عن مناطق احتكاك بين الشيعة والسنة. ويشكل التنظيم إلى حد كبير رداً سنياً على الديناميكية الشيعية التي تحرك الشرق الأوسط منذ 35 سنة.
وبعد نجاحه في الهلال الخصيب، في العراق وسورية، فقد تحول التنظيم إلى قوة مغناطيسية للسنة خارج مناطق الاحتكاك أيضا.
سيناء هي منطقة لا توجد فيها سيطرة فعالة، لذلك فهي ملائمة للحاجة الأساسية.
ويمكن حدوث شيء مشابه في سورية أيضا حيث تنضم تنظيمات سنية إلى داعش وتضاعف قوته.
ونجاح التنظيم يجد رضا من الشباب، وخيبة أمل السنة على ضوء نجاحات حزب الله في مساعدته للعلويين، الأمر الذي يخيب آمال الكثيرين من المتمردين.
نجاحات التنظيم في سورية يمكنها تغيير المعادلة من وجهة نظر العناصر الخارجية المختلفة. الصراع اتضح أكثر ولا يمكن وجود سلطة انتقالية للأقلية العلوية والأغلبية السنية.
لن يضع داعش يده في يد أحد – هو يدير حربا تدميرية دولية، لهذا فان الحسم سيكون بين احتمالين واضحين: إيجاد حل يستند إلى استمرار الوضع الراهن، يمكن أن يكون على حساب الأسد مع الحفاظ على السلطة للأقلية العلوية بتأييد ودعم حزب الله وإيران، أو سيطرة داعش على أنجاء سورية.
عن «إسرائيل اليوم»