حماس والإخوان المسلمين والمشروع الوطني: إشكاليات مفتعلة!!

860x484.jpg
حجم الخط

 

منذ منتصف التسعينيات ونحن نؤكد بأن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هي حركة تحرر وطني برؤية إسلامية، وجاء دخولها الانتخابات التشريعية ببرنامج انتخابي أكد على ذلك، وفازت عليه بالأغلبية التي سمحت لها بتشكيل الحكومة العاشرة برئاسة السيد إسماعيل هنية.. وفي أكتوبر عام 2010 وعبر مقابلة مطولة أجرتها صحيفة السبيل الأردنية مع الأخ خالد مشعل؛ رئيس المكتب السياسي آنذاك، أعاد توضيح الرؤية والنهج الذي عليه حركة حماس، والذي ظهر جلياً في الورقة السياسية التي عرضتها الحركة باسم وثيقة (المبادئ والسياسات العامة) في حزيران 2017، حيث لم تترك شاردة أو واردة إلا وتناولتها فيها، وبالتالي لم يعد هناك مجال للمزايدة على موقف الحركة من ناحية رؤيتها للمشروع الوطني، والقناعة التي أبدتها بضرورة العمل في إطار الشراكة السياسية والتوافق الوطني، وبذلك "قطعت جهيزة قول كل خطيب" كما يقولون.

واليوم كما نشاهد فإن حركة حماس تعمل بالتعاون والتنسيق الكامل مع فصائل العمل الوطني والإسلامي ضمن الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة، وبتوافق يجد فيه كل فصيل كامل التقدير والاحترام على قاعدة الشراكة الوطنية وتوحيد الجهود في الرؤية الميدانية، الأمر الذي يوحي بأن مجموع "الكل الفلسطيني" يعمل على قلب رجل واحد، بهدف إنجاح ما توافقوا عليه.. إلا أن هناك - للأسف - من يصر على إعادة طرح السؤال الذي من المفترض أننا تجاوزناه، من خلال فقهنا لما هو جارٍ على أرض الواقع، وأيضاً مما أكدته حركة حماس في التصريحات التي أطلقها قادتها والوثائق التي أصدرتها، بحيث لم يعد هناك مبرر لاستمرار الجدل أو الغموض الذي تطرحه تساؤلات البعض في الساحتين الأكاديمية والفصائلية.

ومع كل ما سبق من وضوح للرؤية والمواقف، إلا أن هناك من تخامره الشكوك وينتابه التردد وتسكنه الهواجس، ويعاود طرح السؤال التالي: هل حركة حماس مستعدة لتكون جزءاً من الحالة الوطنية، أم ما زالت مشدودة للإخوان المسلمين وللمشروع الإسلامي، الذي يرى البعض أنه يتعارض مع المشروع الوطني؟ وما هي أدوات حركة حماس المستقبلية في ظل هذه الأوضاع البالغة التأزيم والتعقيد؟

وحتى لا أبدو متفرداً أو قاسياً في الرد، حاولت التواصل مع بعض النخب الإسلامية للاستعانة بآرائها، وتوفير توضيحات أخرى.. وهذه هي بعض الردود، التي تعكس القراءة الإسلامية العامة لدى كوادر وقيادات تمثل شرايين وأعصاب التيار الإسلامي في الساحة الفلسطينية.

د. معين نعيم، كاتب ومحلل سياسي، أشار إلى أن هناك انسجاماً وليس تعارضاً بين المشروعين؛ الإسلامي والوطني.. وأوضح ذلك قائلاً: في اعتقادي أن المشروع الإسلامي بالمفهوم الوسطي لا يتعارض مع المشروع الوطني. لذلك، فإن التمييز بينهما يبدو في غير محله.. أما التساؤل عن "أدوات حماس" فهذا أمر غاية في التعقيد، حيث إن ما لدى حماس من إمكانات، رغم عدم كفايتها لوحدها للوقوف في وجه موجة التطبيع والانزلاق القوية نحو الاحتلال في الساحات العربية والإقليمية، إلا أنها ما زالت تملك عنصر مهم قادر على إعاقة تنفيذ هذه المشاريع.. فلا يمكن تنفيذ أي مشروع دون تنازل ورضوخ، وحماس لديها "قوة الرفض"، ولديها قاعدة شعبية وظهير شعبي محلي وعربي مؤمن بها، ولديها القوة العسكرية التي على تواضعها إلا أن بإمكانها خلط واحباط كل ترتيبات العدو.. ولكن على الحركة التعامل مع الواقع بحذر وبراغماتية تحول دون حشرها في الزاوية الضيقة، من حيث؛ إما الموت حرباً أو الموت تنازلاً.

د. بلال ياسين؛ باحث وناشط مجتمعي، يشير إلى أنَّ المتتبع لسلوك حركة حماس وتصريحاتها الأخيرة، يجدها تتحدث عن الوحدة الوطنية، ومصلحة القضية الفلسطينية

أكثر من الحديث عن بعدها الفكري وطموحاتها المختلفة، وهذا يدلل على جدية حركة حماس واستعدادها الإيجابي نحو تغليب مصلحة الوطن وتحدياته الكبيرة على المسائل الأخرى. حيث يبدو اليوم أن الوحدة الوطنية، والشراكة السياسية، وتفعيل دور الطاقات الشبابية، والمؤسسات المجتمعية، وتعزيز أدوات المقاومة السلمية، هي أدوات حقيقية يمكن لحماس وغيرها أن تعض عليها بالنواجذ، حتى يستطيع الشعب الفلسطيني أن يركض نحو حريته المنشودة.

الأستاذ عبد الله العقاد؛ كاتب ومحلل سياسي، أكد قائلاً: لازلت أجد في حماس التنظيم الأقرب إلى الحالة الوطنية بكل تجلياتها، والارتباط بالإخوان المسلمين لا يعدو أن يكون التقاءً في الفهم العام للإسلام كمرجعية حضارية للأمة، وهذا الفهم يعزز الانتماء الوطني، على اعتبار أن الوطنية في أدبيات الإخوان هي دائرة من دوائر الانتماء المتكاملة (الوطنية.. القومية.. الإسلامية). وعليه؛ فإن الحاجة غدت ماسة أن تفكر حركة حماس في تشكيل حزب سياسي يراعي كل التنوع الثقافي والأيديولوجي والديني، بحيث توكل إليه ممارسة كل ديناميكيات الحياة المدنية في ظل تعقيدات الواقع.

الأستاذ محمود مرداوي؛ أسير محرر وناشط إعلامي، أوضح بأن حركة حماس هي جزء أصيل من الحالة الوطنية، وأن برنامجها السياسي يقوم على هذا الأساس، من حيث الأهداف واختيار الأدوات وتحديد الاصدقاء والاعداء، والشواهد تدلل على ذلك بشكل ظاهر.. حيث اعتمدت الحركة – مثلاً - وثيقة الأسرى كبرنامج قواسم مشتركة للكل الوطني من خلال البرنامج السياسي الذي تضمنته الوثيقة، والخط النضالي في بعده الاستراتيجي والتكتيكي، وطريقة اختيار أدواته ووسائل النضال وتوقيته ومكانه وزمانه وإدارة قيادته بشكل مشترك، وهذا يحقق ما تقدم ويلتزم به.. فهذا بصراحة هو صميم المشروع الوطني الفلسطيني.

إن حركة حماس عندما كانت تريد إقامة علاقة مع مصر، وسعت لتحسين العلاقة مع التيار الاصلاحي بقيادة دحلان، بهدف خدمة القضية من زاوية حماس ورؤيتها، فهي لم تتردد في أقامتها، على الرغم من اعتراض البعض من الإخوان المسلمين.. إن دولاً وأحزاباً حاولت التأثير على مسارها بكل السبل، ولكن دون جدوى.

وكذلك العلاقة مع إيران، فعلى الرغم من التحفظ - إن لم نقل معارضة الإخوان الواضحة - إلا أن حماس فتحت بوابة فلسطين أمام كل دعم خارجي بما يخدم البعد الوطني والقضية، غير أبهة بالرفض من زوايا قومية وأممية مع إيران وغيرها، واتخذت كل مواقفها السياسية المتعلقة بالصراع الدائر في المنطقة من زاوية وطنية بحتة، وهذا يدلل على أن حركة حماس هي حركة وطنية، وهي تحاول الاستفادة من محيطها العربي والإسلامي عبر إبقاء جسورها مفتوحة مع الجميع.

الأستاذ خالد المزين؛ نقابي بوزارة التربية والتعليم في غزة، أعتقد أن خطوات حماس الأخيرة، وخصوصاً بعد طرح الميثاق الجديد في حزيران 2017، تؤسس لعمل وطني جامع، رغم تحفظ بعض الساسة على ذلك، حيث إنها وصلت لقناعة من خلال التجربة أنها بدون عمل مشترك لن تستطيع البقاء منفردة. لذلك، بدأت تسعى بكل قوة للمشاركة في مؤسسات المنظمة وغيرها.. وهذا يعطى مؤشراً إيجابياً رغم تأخره، وأن ما يحدث اليوم في مسيرات العودة ومشاركة الفصائل إدارة هذا الحراك الشعبي الواسع إنما هو جزء من سياسة حماس للانخراط بالعباءة الوطنية الجامعة تحت العلم الفلسطيني، وهذا تطور جيد في التفكير والعمل.

أما عن أدوات حماس المستقبلية فحماس في وضع لا تحسد عليه، حيث إنها حشرت في الزاوية، لكنها استفادت جماهيرياً من هجوم المصالحة، الذي أدارته مؤخراً مع حركة فتح، وهذا ما خفف من شدة احتقان الشارع ضدها، وهي الآن توجه الدفة تجاه الاحتلال الإسرائيلي، فهي تملك تنظيماً منتمياً قوياً تعتمد عليه في مواجهة الأزمات، كما أنها تملك جهازاً أمنياً ومنظومة إعلامية جيدة، إضافة إلى القدرات العسكرية والجنود

الموجودين لديها، والعلاقة الجيدة مع الجهاد والجبهة الشعبية وباقي فصائل العمل الوطني والذي يشهد أبرز تجلياته في مسيرات العودة وكسر الحصار.

الأستاذ نور رياض عيد؛ أكاديمي بكلية الدعوة الإسلامية، عبر عن رأيه بالقول: إن حماس في مواقف عديدة أثبتت انتماءها للمشروع الوطني، وأنها حركة تحرر وطني بامتياز؛ طريقها واضح، وعدوها واضح، ولم تحمل السلاح يوماً كي تقاتل نيابة عن أحد... وإن اتهام حماس بالانتماء للإخوان أكثر من المشروع الوطني، هو امر غير دقيق، وهي محاولة لإيقاع حماس في عداوة مع كل الأنظمة الحاكمة التي تعادي الإخوان المسلمين.. إن الذين يتهمون حماس - اليوم - بالانتماء للإخوان على حساب المشروع الوطني مطالبون بتقديم البيِّنات والأدلة التي جعلتهم يذهبون لهذا الرأي، حيث إن أداء حماس على الأرض يثبت أنها تحمل المشروع الوطني، وأما الانتماء الفكري فمن حق كل أحد أن يختار ما يريد دون إكراه، ولا عيب على حماس أن تحب الإخوان، وتتقارب معها فكرياً، طالما أن ذلك لا يضر بالمشروع الوطني.. وأما ما هو مطلوب من حماس، فعلى الرغم من وصول الأمور لأزمة خانقة، إلا أن دور الأحزاب السياسية أن تتحرك وفق المتاح، وأن تعمل بكل قدرتها كي تنقذ شعبها مما هو فيه، فحماس اليوم مطالبة بالإبداع في ممارسة المقاومة السلمية، وأن تفكر بآليات توصل من خلالها صوتها للعالم، فما زالت الرواية الفلسطينية ضعيفة عالمياً، والإعلام الحمساوي ما زال يخاطب الشعب الفلسطيني بالداخل. كما أن حماس مطالبة ألا تبقى في الواجهة وكأن المعركة مع حماس فقط، فعليها أن تتيح المجال، وأن تكون حريصة كل الحرص على أن يظهر الكل الوطني في المشهد النضالي، ليس الفصائل فقط، بل الفصائل والمستقلين، والتجمعات الشعبية، والمؤسسات المدنية... إلخ.

الأستاذ وائل المبحوح؛ كاتب وباحث مختص بشئون الحركة الإسلامية، أشار بأن حركة حماس هي جزء من النسيج الوطني الفلسطيني، وهي تشكل مع زميلاتها من

تنظيمات وحركات الحالة الوطنية الفلسطينية بشقيها العلماني والإسلامي، وهي على مدار ثلاثين عاماً مضت تقدم نفسها بثوبها الفلسطيني، كما جاء في ميثاق عام 1988، وكما أكدت عليه وثيقتها الأخيرة 2017. يجب علينا ألا ننسى أو نغفل بأن الارتباط الفكري أو التنظيمي بالإخوان في فترة سابقة لم يكن يؤثر على خصوصية حالة حماس، وفقاً لقواعد الإخوان أنفسهم. وفيما يتعلق بالأدوات، أعتقد أن حماس منذ 30 اذار بدأت باستخدام أداة جديدة وهي المقاومة الشعبية السلمية، وهي إضافة نوعية للفكر السياسي لحماس ومن الممكن أن تؤتي ثمارها على المدى البعيد. أما الأداة الأخرى المطلوبة بقوة الآن، فهي استعادة الحاضنة الشعبية.

الشيخ أحمد مسمح؛ داعية وطالب دكتوراه دراسات إسلامية في تركيا، أشار بأن حركة حماس هي حركة تحرر وطني برؤية إسلامية؛ وعلى هذا الأساس انطلقت مع انطلاق انتفاضة الحجارة أو ثورة المساجد، وهي بلا شك - تاريخياً وفكرياً - جزء من جماعة الإخوان المسلمين، ولكن ليس هناك علاقات تنظيمية وإدارية.. وقد حاولت الحركة الاندماج في الحالة السياسية والمشاركة في القرار السياسي، ودخلت الانتخابات البرلمانية على هذا الأساس، لتكون جزءاً من الحالة الوطنية، لكن أطرافاً دولية وعربية وداخلية لم يرق لها هذا الاندماج، وحدثت صراعات حالت دون اندماج الحركة مع الحالة السياسية العامة، على أن الحركة نجحت في التنسيق مع الحركات الوطنية في أكثر القضايا، وجلست على طاولة واحدة، واندمجت ميدانياً معهم، وتعكس حالة الانسجام والتنسيق التي تشهدها مسيرات العودة ما يؤكد كل ذلك.

د. أيمن اليازوري؛ أكاديمي، أشار بأن على حركة حماس أن تنحاز لهويتها الوطنية، كونها جزءاً من المشروع الوطني الفلسطيني، مع حفاظها على هويتها الفكرية ومرجعيتها الإسلامية، في منحى مشابه لسلوك حركة النهضة التونسية.

بالنسبة للأدوات التي يمكن لحركة حماس توظيفها، فهي على النحو التالي: أولاً؛ العمل على بناء اصطفافات وطنية حول الأهداف أو القضايا الوطنية الكبيرة على طريقة

مسيرة العودة. ثانياً؛ الدفع وممارسة الضغوط لإجراء انتخابات فلسطينية تعيد انتاج منظومة قيادية وطنية تحمل بذور التغيير. ثالثاً؛ بناء شراكة وطنية في الحكم أما بالدفع لحكومة وحدة وطنية قبل أو بعد الانتخابات، أو السعي لبناء إطار قيادي وطني لإدارة القطاع حال تعذر الخيار الوطني مع حركة فتح.

د. أكرم رضوان؛ أكاديمي وناشط مجتمعي، أوضح بأن اتفاق المصالحة الأخير في تشرين اول 2017 كان دليلاً على حرص حماس على انهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، وأن تكون جزءاً من الحالة الوطنية، فرأينا منها أفعالاً وتنازلات تدلل على جديتها وصدقيِّة توجهها. ربما يجادل البعض أن هذا الحرص نابع من الأزمة السياسية والمالية التي تعاني منها الحركة، والحصار المطبق على قطاع غزة، إلا أن التاريخ علمنا بأن الحركات الايدلوجية لا تلقي بالاً لمعاناة شعوبها، وأن هدفها الرئيس هو الحفاظ على وجودها وكينونتها مهما كلف الأمر (داعش نموذجاً)، ولكن حماس ليست بالتي تضحي بالمشروع الوطني على حساب انتمائها لجماعة الإخوان المسلمين أو كونها جزءاً من المشروع الاسلامي، وأن المدقق للوثيقة السياسية التي أصدرتها الحركة في يونيه 2017 يرى هذا واضحاً، فلم تتطرق في تعريفها إلى علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين، وإنما عرّفت نفسها بأنها حركة تحرر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، فقدمت الوطني على الإسلامي. ومن أدواتها المستقبلية؛ المزاوجة بين المقاومة السلمية والعسكرية، والتمسك بخيار المصالحة وعدم النكوص عنه بأي حال، مع العمل على تفعيل العلاقة مع جميع الفصائل وتعزيزها، والحرص على التنسيق المتواصل بما يحقق وحدة القرار الفلسطيني.

د. أيمن دراغمة؛ نائب بالمجلس التشريعي عن كتلة التغيير والإصلاح، أشار قائلاً: من خلال متابعتي لسلوك حماس الوطني أنها كانت جادة وصادقة عندما وقعت على اتفاق القاهرة 2005، والذي كان متوقعاً منه إدخال حركة حماس في (م ت ف)، لكن بدا واضحاً أن الإعاقة كانت من طرف فتح – حسب قوله - ، خوفاً من أن تخسر قيادة المنظمة، خاصة

وأنه تبع ذلك في عام 2006 إجراء انتخابات المجلس التشريعي، والذي فازت فيه حماس بأغلبية مريحة، كما أن حركة فتح كانت تخشى على الاتفاقيات التي وقعت عليها المنظمة ومنها أوسلو، والذي أفضى إلى تأسيس السلطة الوطنية.. فالحفاظ على السلطة يشكل أهم ركائز سياسة فتح الحالية كما يقول، زيادة على المفاوضات.. كما يجب ألا ننسى أن الأبواب المغلقة في وجه حماس لدخول المنظمة تقف وراءها عوامل خارجية؛ فالرباعية كانت قد وضعت شروطها وما زالت للتعامل مع أي حكومة تشارك فيها حماس، وأظن أن نفس الشروط قائمة لدخول حماس للمنظمة.. وفيما يتعلق بأدوات حماس، فأظن أن التمسك بوثيقة الوفاق الوطني كبرنامج يشكل منطلقاً وميزةً للشراكة السياسية مع (م ت ف) والكل الوطني، ويقيم الحجة على جدلية اختلاف البرامج، كما أن الشكل الجديد من النضال والتحرك الشعبي له مردود إيجابي، وهو بحاجة لمراجعة من حيث توافق الشكل والأدوات مع الأهداف، بما يضمن الاستمرارية وبأقل الخسائر، ومشاركة الكل، وتعزيز القدرة التي تحقق أعلى النتائج.

الإخوان وفلسطين: حقيقة تاريخية

منذ أن وقعت المواجهات المسلحة مع الحركة الصهيونية في الأربعينيات كان الإخوان المسلمون من بين الذين هبوا للدفاع عن عروبة أرض فلسطين، وأرسل الإمام حسن البنا العديد من القيادات لتفقد الأوضاع على الأرض، وقام مع وفد من رجالات الإخوان بزيارة لقطاع غزة في اذار 1948، وكان له الفضل في تحريك الكتائب الإخوانية من مختلف الأقطار العربية كمصر والأردن والعراق وسوريا للمشاركة إلى جانب الفلسطينيين في التصدي للعصابات الصهيونية.

كان الإخوان المسلمون هم من أعطى لقضية فلسطين بعداً عالمياً، حينما جعلوها قضية المسلمين الأولى، وعملوا على "فلسطنة" الضمير الإسلامي، لتصبح هذه القضية وأهلها هما الهمّ المركزي لكل أبناء هذه الأمة، ولا غرو أن تكون القيادات الفلسطينية

التي حملت لواء التحرير منذ نشأتها في الخمسينيات كحركة فتح قد خرجت من رحم هذه الحركة الإسلامية.

ومع ثورة تموز المجيدة عام 1952، حظيت القضية الفلسطينية باهتمام كبير لدى رجالات الثورة المصرية، الذين منحوها دعمهم، وباركوا ما قام به متطوعو الإخوان المسلمين من جهود الإسناد والنصرة لهذه القضية، بل كان القائد طيار عبد المنعم عبد الرؤوف؛ أحد قيادات ثورة تموز، هو أول من حط رحاله على أرض فلسطين بعد الثورة، وقام في تشرين الاول من نفس العام بافتتاح معسكر لتدريب الفلسطينيين على فنون القتال في منطقة رفح جنوب القطاع.

في الحقيقة، كان لمصر قبل وبعد الثورة كبير الفضل في استنهاض هويتنا الوطنية، بل والجمع بين الإسلام والهويتين الدينية والقومية. نعم؛ كان للإخوان المسلمين مشروعاً طموحاً على مستوى استعادة بناء الأمة وتحرير أرض فلسطين، ولكن هذا المشروع تعثر لاتساع جبهات الصراع والمواجهة بين القوى العلمانية الحاكمة والإسلامين، وجرى تشويه مشهد ومكانة فلسطين كمشروع وطني يحظى بالأولوية لدى أصحاب التيار الإسلامي من أبناء هذه الأرض المباركة!! ولكن الحقيقة التي نعلمها هي أن فلسطين ومسجدها الأقصى ظلت هي قلب الحراك الإسلامي، ليس للفلسطينيين وحدهم، ولكن لكل الإسلاميين في منطقتنا العربية؛ سواء أكانوا تنظيمات شعبية ومنظمات مجتمع مدني أو تيارات حزبية.

أخيراً؛ إن حركة حماس تدرك قيمة الدين في حياة الناس، والذي كان هو المحرك والقوة الدافعة وراء مقاومة الشعوب وانتصارها على القوى الاستعمارية، وهو ما شاهدناه وراء الثورات التي انطلقت في ربوع بلادنا العربية والإسلامية منذ مطلع القرن العشرين، وأدت إلى استقلال هذه الدول وتحريرها من ربقة الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي.

لن يثنينا التشكيك - كإسلاميين - في وطنيتنا، ورؤيتنا لمشروعنا الوطني ونضالاتنا من أجل الاستقلال، حيث إن الأولوية في سياق الحالة الاستعمارية التي تعيشها بلادنا ستبقى للتحرير، والعمل مع "الكل الفلسطيني" في إطار الشراكة والتوافق الوطني لتحقيق هذا الهدف الأسمى.. كما أن ارتباطاتنا مع الجميع على حسابات قومية أو دينية ستظل قائمة، بهدف استثمارها في مشروع التحرير والعودة وتقرير المصير.