حيتان الفساد ومؤسسات النهب الدولية تدفع بالأردن نحو المجهول

images.jpg
حجم الخط

 

 

بداية علينا القول بأن النظام الرسمي العربي من بعد حرب أكتوبر /1973 حدثت في طبيعة وتركيبة هذا النظام تغيرات بنيوية كبيرة وكذلك في القيادة والدور والوظيفة والمهام الداخلية والخارجية،ليس على صعيد التحلل من الإلتزامات القومية والتخلي عن قضية العرب الأولى فلسطين وإصطفاف جزء من هذا النظام الى جانب القوى المعادية في طرحها لمشاريع يراد منها اقفال الملف الفلسطيني وليس حل القضية الفلسطينية،بل هذا النظام الرسمي العربي دخل مرحلة التعفن والفساد والإستبداد وإدارة الظهر للجماهير،وعند الحديث عن الإحتجاجات الشعبية المتواصلة في الأردن والناتجة عن قرارات وتشريعات حكومية خاطئة إستجابة لوصفات خراب مؤسسات النهب الرأسمال العالمي ( صندوق النقد والبنك الدوليين)،بدت وكأن من يتخذون مثل هذه القرارات والتشريعات،والتي تمس الجماهير الشعبية في عصبها الأساسي،لقمة عيشها وقوتها اليومي منفصلين عن الواقع،وهم يتخذون ويقررون تحت وطأة الدفاع عن مصالح طبقة منتفعة وفاسدة،أصبحت هي من تتحكم في القرار وهمها الأول الدفاع عن مصالحها ونفوذها وفسادها وسرقاتها لأموال المساعدات والمؤسسات الاقتصادية الكبرى،ومن بعدها فليأتي الطوفان،ولذلك قرارتها كانت في إطار استمرار التبعية والإستجابة لوصفات مؤسسات النهب الدولية صندوق النقد والبنك الدوليين،تلك المؤسسات التي بصماتها التخريبية وتدميرها للكثير من الدول واضحة،الصومال والعراق وليبيا نماذجاً.ونحن ندرك تماماً بأن تلك المؤسسات الدولية التي هي مؤسسات الرأسمال العالمي،هدفها الأول والأساس تعميق تبعية البلدان اقتصادياً وسياسياً لها،وإدخالها في أزمات عميقة لا فكاك منها،ولذلك في بلد كالأردن فقير في موارده وإمكانياته،في تحليلنا لما يحدث من إحتجاجات شعبية،علينا ان لا نغفل بان هذه الجماهير لها كل الحق في الدفاع عن حقوقها،والمطالبة بتحقيق أكبر قدر من العدالة الإجتماعية،ولكن علينا أن نبقى حذرين جداً،بأن هناك من يريد الدفع بالأردن إلى حافة الهاوية الإقتصادية دون أي إعتبار لدوره العربي ولمصالح شعبه، ودون أي تغطية سياسية وأمنية،فالأردن الذي كان يتلقى مساعدات إقتصادية من دول الخليج العربي وبالتحديد من المملكة السعودية،اليوم يجري حجب تلك المساعدات عنه بقصد ولتحقيق هدف سياسي،حيث الإعتراضات الأردنية على صفقة القرن،وما تشمله من مس بالوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس،جعله في موقف الرافض والمعارض لصفقة القرن الأمريكية،والبعض ممن تحللوا من الإلتزامات والروابط القومية،تعاملوا مع الأردن وغير الأردن بلغة التبعية وعنتريات عقلية البداوة،نحن باموالنا نخضعكم ونجعلكم تابعين لنا،ورأينا كيف جرى التعامل مع رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري،وكذلك مع الرئيس الفلسطيني أبا مازن،ومما لا شك فيه،بأنه لا بد من فتح تحقيق جدي حول أموال المساعدات أين تذهب،وتعرضها لعمليات الإختلاس وشراء الذمم تستوجب مثل هذا التحقيق،من اجل استعادتها ومحاكمة سارقيها وايقاع اقصاء العقوبات بهم،واقصائهم عن دائرة الفعل والقرار.

القرارات الحكومية والتشريعات الخاطئة،ليس فقط من شانها ان تمس بالقوت اليومي للجماهير الشعبية وقدرتها على توفير متطلبات حياتها وعيشها بالحد الأدنى،بل هي تدفع بالمزيد من بالإفقار للطبقتين الصغرى والوسطى،وهذا يدفع نحو خراب المزيد من المؤسسات الاقتصادية وإفلاسها،وبما يعكس نفسه على الاقتصاد الوطني عامة،حيث الزيادة في المديونية مع كل وصفة جديدة لمؤسسات النهب الدولية،والمترافقة مع استشراء الفساد و"تغول" حيتان الفساد على مؤسسات الدولة،وما ينتج عن ذلك من إحجام عن الإستثمار أو هروب له وهجرة واسعة للشباب،العصب الأساسي لبناء المجتمع.

إن تعميق حالة التبعية لمؤسسات النهب الدولية،لن يقود الى الخروج من المأزق والأزمات،بل يعمق هذه الأزمات ويدفع بالأردن نحو الهاوية والمجهول،وربما تتطور الأمور لتصل حد الكارثة،والقضية ليست قضية حكومات وشخوص،بل هي قضية نهج،فكل وصفات مؤسسات النهب الدولية،لم تقد سوى للخراب والمزيد من الخراب ورفع المديونية وتعمق الفساد،ولذلك لكي لا يستغل البعض ما يحصل من إحتجاجات شعبية على سن المزيد من القوانين والتشريعات المرهقة للشعب الأردني إقتصادياً،لكي يجر الأردن الى ما لا يحمد عقباه،كما حدث في بداية الإحتجاجات الشعبية السورية،فأنا أرى أنه بات من الملح الآن الآن وليس غداً،وبما يقطع الطريق ويفشل المخططات المستهدفة على كل من يريدون الذهاب بالأردن الى حالة من الفلتان وعدم الاستقرار وبث الفتن،ان يتم مراجعة شاملة للعلاقة مع مؤسسات النهب الدولية (صندوق نقد وبنك دوليين)ومؤسسات الرأسمال العالمي ودولها،عبر نهج سياسي واقتصادي شاملين،وفتح الخيار والقرار والعلاقات الأردنية على أوسع رحب عربي – إسلامي ودولي،وهذا يتطلب على المستوى الداخلي،القيام بعمليات تطهير واسعة تشمل الإطاحة برؤوس وحيتان الفساد،وليس هذا فحسب،بل جلبها للمحاكم وإلزامها بدفع الأموال التي قامت بسرقتها ونهبها،ووقف الهدر في المال العام،وما يجري من تهرب ضريبي تقوده حيتان الفساد المستملكة لمعظم المؤسسات الاقتصادية والمصرفية والخدماتية الكبرى،والعمل على إعطاء الأولوية للزراعة والصناعة،ومشاريع التمكين الاقتصادي الصغيرة خارج إطار المال الأجنبي وغيره المشروطين.

نحن ندرك تماماً في هذه المرحلة بالذات،بالقدر الذي يستهدف به شعب فلسطين وقضيته ومشروعه الوطني،حيث مشاريع التصفية والشطب تلوح في الأفق القريب،وفي المقدمة منها ما يسمى بصفقة القرن،والأردن سيكون واحد من ساحات هذا المشروع التصفوي،ولعل الجميع يذكر بأن هناك مؤتمرات عقدت في دولة الاحتلال بمشاركة ما سمي بسياسيين وباحثين اكاديميين أردنيين وقيادات حزبية وسياسية إسرائيلية وامريكية بعنوان "الأردن الوطن البديل"،وكذلك وقف المساعدات الخليجية عن الأردن،له أيضاً اهداف سياسية،نحن مع الإحتجاجات الشعبية الأردنية ذات الطابع السلمي،والمبتعدة عن الإضرار بالمؤسسات والممتلكات العامة وغيرها،وكذلك عن الشعارت الهابطة والمفرغة من مضمونها ومحتواها،والتي قد تدفع بالأردن نحو الفتن الشعبوية والجهوية وغيرها،وبالمقابل نحن ضد من يسعون الى تثوير الشعب الأردني خدمة لمصالح وأهداف مشبوهة،هناك من يريدون شراء البلد وشعبه ومؤسساته بالمال الخارجي الخليجي،ودفعه الى حالة من الفلتان وعدم الاستقرار،بما يمهد لتدخلات خارجية ،في مقدمتها أمريكية وإسرائيلية،تفرض صفقة القرن،وتسحب الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية والمسيحية،وتفتح الباب على مصرعيه لجعل القدس المحتلة عاصمة أبدية لدولة الاحتلال،ونقل الدول لسفارتها من تل ابيب الى القدس.

احتجاجات الأردنيين مؤخراً وإضرابهم الوطني العام ضد الظلم والتعسف الحكومي وإنتهاك الحقوق الدستورية للمواطن الأردني أصبحت علامة فارقة في تاريخ الأردن السياسي الحديث ومؤشراً على بداية حقبة جديدة من النضال السلمي ضد التعسف والاستبداد والظلم والفساد والتفرد بالسلطة .

ولكن من الضروري والهام حماية الأردن من مخاطر الدخول في حالة من الفلتان الأمني وعدم الاستقرار،فهناك من يريدون أخذ الأردن الى المجهول،وحتى لا تنجح مخططات هؤلاء، لا بد من التحلل من نهج التبعية السياسي والإقتصادي،ورسم استراتيجية جدية،تقوم على إطلاق الحريات السياسية والإعلامية والحزبية بإصدار قوانين ديمقراطية حقيقية للانتخابات النيابية والبلدية والأحزاب والإعلام، وصولاً إلى مجيء ممثلي الشعب الحقيقيين للنيابة وتشكيل حكومات أكثرية حزبية ممثلة في البرلمان.