صفقة التبادل الأولى التي قمت بتغطيتها هي التي وضعت الخط في كل ما يتعلق بخضوع متخذي القرارات الإسرائيليين للمطالب الاستفزازية لتنظيمات الإرهاب الفلسطينية: في ايار 1985 أطلقت اسرائيل سراح 1150 قاتلا مقابل اعادة ثلاثة جنود تم أسرهم في لبنان من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
على تلة صغيرة أمام مكتب رئيس الحكومة جاءت كل اسبوع مريم غروف، والدة يوسف غروف، أحد الجنود المأسورين، أمام عدد من الصحافيين الذين مكّنوها من نقل رسالة بأن على الحكومة «اعادة الاولاد بأي ثمن». وزير الدفاع في حينه، اسحق رابين الذي قاد المفاوضات، قال فيما بعد إنه لن يغفر لنفسه الخضوع للارهابيين، لا سيما لأنه لم يتجرأ على الوقوف أمام غروف والقول إنه رغم الأسف فان هناك ثمنا لا تستطيع اسرائيل أن تدفعه.
على هذا الشكل أو ذاك، يمكن الاشارة الى مميزات تعود لتظهر في كل صفقات تبادل الأسرى والمخطوفين والجثث:
• اسرائيل لا توافق على مطالب الخاطفين: غير صحيح. في نهاية المطاف يوافق الطرف الاسرائيلي. يخضع.
• اقرباء الأسرى يقولون إن الحكومة لم تفعل ما يكفي من اجل اعادتهم، ولم تفعل ما يكفي من اجل الحصول على معلومات عن مصيرهم. غير صحيح. حكومات اسرائيل استخدمت كل الطرق واستثمرت الاموال وهددت حياة اشخاص في محاولة لحل المسألة المؤلمة.
• فرضية الحكومة أن المخطوفين على قيد الحياة تكون عادة بدون أساس من الحقائق: غير صحيح. المستوى السياسي الامني يعرف أن الحديث يدور عن جثث أو أشلاء بقيت في الميدان، ورغم ذلك فان المفاوضات تتم وكأن الحديث عن أسرى أحياء.
• الكنيست سن قانونا من شأنه أن يقيد القادة فيما يتعلق بـ»الثمن» الذي يتم دفعه في الصفقة: صحيح، لكن لم يكن ولن يكون لهذا القانون وجود. رؤساء الحكومة لن يتنازلوا عن تقديراتهم الشخصية في اللحظات التي تستدعي اتخاذ القرار.
• حملة العلاقات العامة ترافق العائلات من اجل زيادة الضغط على الحكومة.
الآن، بعد أن تم رفع الستار عن غياب أبراهام منغستو ومواطن بدوي قاما باجتياز الحدود ووصلا الى غزة، بدأت الحملة المعروفة التي تعودنا عليها. من المهم القول إن رئيس الحكومة تصرف بشكل صحيح بخصوص القضية الحالية. نتنياهو صدق حينما قرر اجراء المفاوضات السرية مع «حماس»، وحينما قرر عدم إشراك «الكابنيت» واللجنة الثانوية التابعة للجنة الخارجية والامن في الكنيست في المفاوضات من اجل اطلاق سراحهما.
لماذا؟ لأنه من الضروري عزل وتصفية الحقائق الاساسية وعدم الباسها ادعاءات ديماغوجية. اثنان من الاسرائيليين اجتازا الحدود بارادتهما. لم يُخطفا، لم يؤسرا، ومع الحذر المطلوب يجب القول إنهما مسؤولان عن مصيرهما ولا حاجة لجر دولة كاملة الى مفاوضات يتم في اطارها اطلاق سراح عشرات القتلى الذين سيقتلون المزيد من الاسرائيليين.
الموضوع ليس تكبرا واستخفافا بالاسرائيليين من أصل اثيوبي أو بدوي.
نتنياهو لم يخف القضية الاخيرة عن الجمهور، بل حاول معالجتها بكل شفافية وانطلاقا من فهمه أن الكشف العلني سيقود اسرائيل الى مفاوضات متطرفة ترافقها سهام الانتقاد من المعارضة والمنظمات الاجتماعية التي ستحاول تحويل الامر الى جانب آخر من التمييز.
يجب الأمل بأن حملة العلاقات العامة التي سترافق جهود الحكومة لاطلاق سراح الاثنين لا تنتهي كالعادة بالخضوع للمطالب الوقحة لـ»حماس». للأسف الشديد، تجربة الماضي تقول عكس ذلك.
عن «يديعوت أحرونوت»