إن حقيقة مرور موعد الاتفاق الدائم بين الدول العظمى وإيران حول السلاح النووي من غير أن يتصاعد الدخان الأبيض، تثير الاستغراب.
ليس هناك أي مؤشر على تراجع أو زوال اندفاع واشنطن لإنهاء المفاوضات بنجاح، بل العكس، يتبين في الأشهر الأخيرة أكثر فأكثر أن الرئيس أوباما قد حول موضوع الاتفاق إلى هدف مركزي، وأن تحقيقه سيغطي على جميع أخطائه وفشله في الشرق الأوسط، حيث سيُبشر بذلك عن بدء مرحلة جديدة تكون فيها إيران الشريك الجديد.
أوباما مصمم ويؤمن بسياسة المصالحة، التي تستند إلى مجموعة واسعة من خطوات بناء الثقة في الاقتصاد، وتضع نظام آيات الله على خط التعامل البراغماتي والمعتدل، عن طريق جزرة الاستثمارات الاقتصادية وإلغاء العقوبات، يتم وضع الأساس لتعاون سياسي وإستراتيجي قوي بين واشنطن وطهران، يكون مركزها استعداد النظام الإيراني للعب دور أساسي في الصراع للقضاء على داعش، ومن أجل تحقيق هذا الحلم تستمر الإدارة الأميركية الآن أيضاً في التدهور باتجاه الاتفاق الدائم وبأي ثمن، وهذا من خلال غض النظر والتغاضي عن استمرار العمليات الإرهابية التي مصدرها العاصمة الإيرانية والتي تشمل المنطقة كلها.
ليس فقط أنه لا توجد صلة بين الموضوع النووي الإيراني وبين البعد التقليدي وما تحت التقليدي، بل إن الجوهر النووي للاتفاق مليء بالثغرات التي ستمنح النظام الإيراني الفرصة لأن يسير نحو القنبلة بعد نحو عشر سنوات، مع انتهاء الرقابة فعلياً.
على هذه الخلفية، فإن حقيقة مراسيم التوقيع الاحتفالية على الاتفاق لن تتم في 9 آب كما هو متوقع، تثير الاستغراب.
وتفسير هذه المفارقة التي ترتبط بطريقة غير مباشرة مع السلاح النووي، لا يؤشر على صحوة متأخرة من جانب الدولة العظمى الأميركية، بل يرتبط بالعلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا، وعلاقة أوباما مع فلادمير بوتين، التي في مركزها عمل الكرملين العسكري المتواصل في شرق أوكرانيا والعقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب على روسيا في أعقاب ذلك.
على ضوء هذه العلاقات المتوترة لا توجد للبيت الأبيض مصلحة في أي خطوة من شأنها تحسين ولو قليلا وضع الاقتصاد الروسي الصعب.
هذه هي الخلفية بالضبط، التي تربط بين المسار الأميركي – الروسي وبين المفاوضات الحالية مع إيران.
روسيا التي تحتاج بشكل ملح إلى العملة الأجنبية، وعلى ضوء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، فهي تريد أن تدخل وبسرعة إلى سوق السلاح الإيرانية، لهذا فهي تؤيد إضافة إلى الصين طلب إيران رفع الحصار الاقتصادي وتقديم السلاح التقليدي، هذا الحصار الذي فرض في 2006 من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وبالذات على ضوء حقيقة وجود صفقة صواريخ ارض – جو من نوع اس.300 تعهدت روسيا ببيعها لطهران في عام 2007، وقررت في النهاية تجميدها في عام 2010.
هنا تتداخل الضائقة الاقتصادية الروسية مع الاعتبارات الجيواستراتيجية لبوتين وتنمي موقفا روسيا شاملا بتأييد الرفع السريع للعقوبات العسكرية عن إيران، التي تشجع روحاني وظريف على التشديد على مواقفهما.
إن الولايات المتحدة تخشى من تطور مكانة روسيا كحليفة وكمزودة للسلاح في الساحة الإيرانية.
وهي تصمم مع الرئيس الـ 44 على التوصل إلى الاتفاق، والخلاف الحالي أيضاً لن يمنع تحقيق هذا الحلم، حتى لو كان الثمن قيام قوة عظمى إقليمية متطرفة تبث القوة وتحاول تهديد محيطها الإستراتيجي.
لم يبق سوى الأمل بأن يصمد مجلس الشيوخ الأميركي في هذا التحدي حيث سيكون لديه 60 يوما من اجل فحص الاتفاق بعد التوقيع عليه.
عن «إسرائيل اليوم»