حماس في مشهد الحكم والسياسة: ما لها وما عليها؟!

thumb (4).jpg
حجم الخط

ما تزال حركة حماس تحظى بالتغطية الإعلامية الواسعة، وإن كانت الرواية الإسرائيلية تحاول دائماً إلباسها ثوب الشيطان، واتهامها بالتطرف والإرهاب!! نعم؛ نجحت إسرائيل عبر ماكينتها الدعائية في تسويق الكثير من المقولات السلبية حول الفعل المقاوم الذي تمارسه الحركة من خلال كتائب القسام، لكن وجوه الحقيقة لا ترسمها فقط الرواية الإسرائيلية وإساءات الخصوم في الساحة السياسية، بل تبقى هناك قراءات أخرى لاستكمال مشهد الرواية وملامح الرؤية.. لذلك، فإن عملية استنطاق تجربة الحركة على لسان أبنائها وأنصارها من الإسلاميين يستوفي حالة التوازن المطلوبة في الحكم على التجربة، من حيث الإيجابيات والسلبيات.
في الحقيقة، ليس من السهل اليوم، وفي ظل الحالة السياسية والمعيشية البائسة، أن تسمع مواقف تتسم بالعدل والإنصاف من خصومك في فصائل العمل الوطني، حيث درجت العادة وطبيعة المناكفات أن يقوموا – ظلماً - بتحميل كل أخطاء الحكم خلال الاثني عشر سنة الماضية لحركة حماس، وفقاً لمنطق "وعين السُخط تُبدي المساويا". من هنا، ومن باب الإحاطة بكل جوانب المعادلة وأبعاد المشهد، ارتأينا أن نحاور العديد من الشخصيات الفلسطينية الإسلامية من داخل الوطن وخارجه حول حركة حماس وتجربتها في مشهد الحكم والسياسة، من حيث الإنجازات والإخفاقات، وما يمكن اسداؤه لها من نصائح وتوجيهات حول المستقبل، إذا ما قررت المشاركة في أي انتخابات قادمة؟
حاولت أيضاً استطلاع أدمغة بعض الخصوم، والاستعانة بما أوردته بغيرة وطنية من نصائح لحركة حماس فيما يتعلق بمستقبل العمل السياسي، والشكل الذي يناسب هذا المستقبل. 
تباينت الرؤى والإجابات، وإن كان من الواضح أن هناك إشادة ببعض الإنجازات، كما أن هناك أيضاً محاولات لتبرير الإخفاقات، ولكن ربما كان هناك اتفاقاً في الرؤية بين الجميع حول المستقبل، من حيث طبيعة المشاركة في الانتخابات، وحجم الحضور في العملية السياسية من جهة الشراكة والتحالفات الوطنية، وهذا حقيقة يعكس حالة النضج والوعي السياسي المتنامي لدى كوادر ونخب حركة حماس وأنصارها من الإسلاميين في الداخل والخارج.
وعليه؛ وفي سياق تلخيص الكثير ممن استجابوا لتساؤلاتنا، وتفضلوا جميعهم مشكورين بإبداء الرأي، أعرض للنقاط التي شكلت بين الحمساويين وأنصارهم حالة إجماع في سياق الإيجابيات، وكذلك نقاط النصيحة التي أسداها المؤيدون والخصوم لحركة حماس.
تجربة حكم حماس: الإيجابيات
- نجحت حركة حماس في المزاوجة بين الحكم والمقاومة، وكانت ظهراً واقياً لها، وداعماً قوياً لرجالاتها، كما أثبتت أنها وفيَّة لمبادئ تأسيسها التي قامت عليها، ولم تنزلق في مسار التنازلات بلا كوابح.
- ابقت الحركة القضية الفلسطينية في صدارة قضايا التحرر من الاحتلال في عصرنا الحديث، كما أظهرتها باعتبارها قضية شعب يناضل بكل الوسائل لاسترداد أرضه ومقدساته، وكشفت لأحرار العالم الوجه الحقيقي الإجرامي للاحتلال. 
- أعادت الحركة تعريف القضية الفلسطينية، وأرجعت القطار إلى مجراه الصحيح، ووضعت العربة خلف الحصان بعدما كانت أمامه، كما أعادت العديد من الحقوق المسلوبة، ونجحت في رفع بعض أشكال المظلومية عن الناس.
- سنَّت الحركة العديد من القوانين التي تحمي حقوق الأسرى والقدس والزكاة وغيرها، وألغت العديد من القوانين التي تخالف الشريعة الإسلامية.
- شكل وجود حركة حماس داخل منظومة الحكم، حرجاً كبيراً لأي اتفاقيات سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. وفي ظل بقائها في قطاع غزة، أصبح القطاع عائق لأي توجهات تفاوضية لا تحمي الحقوق الوطنية.
- استطاعت الحركة النهوض بالقدرات العسكرية للمقاومة، سواء لها أو لفصائل المقاومة الأخرى، وقد شكل تواجدها على شريط الحدود مع مصر دون أي رقابة من السلطة أو الاحتلال الإسرائيلي، إدخال منظومات عسكرية، أوجدت حالة من التوازن في مقاومة الفصائل مع الاحتلال الإسرائيلي.
- مراكمة قدرات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والارتقاء بجاهزيتها العسكرية لصدِّ أي عدوان إسرائيلي على القطاع، إضافة إلى حالة الاستقرار الأمني التي عاشها قطاع غزة فترة طويلة تحت إدارة حماس.
- تعزيز الحركة لقوة المقاومة وحماية ظهرها، وعدم الرضوخ لشروط الرباعية لكسر الحصار والاعتراف الدولي، وتمسكها بالثوابت الفلسطينية، رغم تعرضها لثلاثة حروب وحصار مشدد.
- القدرة المتميزة على تحريك الشارع الفلسطيني في إطار مسيرة العودة الكبرى بقيادة وطنية تضم كل القوى، فكانت غزة هي الصوت الوحيد القوي الذي يقف في وجه تنفيذ سلس لصفقة القرن، وندد بواقع الفعل ضد نقل سفارة الولايات المتحدة للقدس.
- قدمت حماس نموذجاً لنظافة اليد من خلال إدارتها للحكم، وكذلك أحيت الثوابت الوطنية وحمتها عبر برامجها المختلفة، إضافة لحمايتها ورعايتها للمقاومة الفلسطينية وبرامجها.
تجربة حكم حماس: السلبيات
- كانت مشاركة حماس في الانتخابات ونجاحها فيها إنجازاً وطنياً كبيراً، ولكنه - للأسف - لم يتم استثماره لبناء شراكة سياسية حقيقية تؤسس للنهوض بالمشروع الوطني.
- الترهل الإداري، وبالطبع ارتفاع وتيرة الحصار التي باتت ترهق كاهل الناس، وأيضًا كاهل حماس. هناك مشكلة كبيرة وقعت فيها قيادة الحركة عندما تأخرت في إدراك أن أهم مقوم لنجاحها واستمرارها هو أن تعيش التجربة مع الناس بكافة تفاصيلها، وأن يرتقي منسوب الشفافية والمحاسبة لدى أفرادها بشكل أكبر.
- اصطدمت الحركة بالواقع السياسي؛ الإقليمي والدولي، وبالظروف السياسية التي تجهل أدوات التعامل معها، فكانت سنوات الحكم ثقيلة على أناس لم يتمرسوا عليه، ومشائخ جلسوا لإدارة الدولة بعدما كانوا يديرون مساجد وجمعيات خيرية؛ فوقع الحصار والاقتتال والاخفاق في العديد من الأشياء.
- أخفقت الحركة في تقديم نموذج صالح للحكم، برغم اجتهاداتها في هذا الأمر، وذلك كونها تعاملت مع إدارة العمل الحكومي بمنطق تنظيمي، مما كان له انعكاسات وتداعيات سلبية على التجربة، إضافة إلى أن دخول حماس الفج في الانتخابات بقيادات الصف الاول لم يَكُن موفقاً؛ لأنها وضعت نفسها في مواجهة شروط الرباعية، وكان الاجدى بها أن تدخل بقيادات الصف الثاني والثالث الأكثر مرونة وحركة في التعاطي مع المتطلبات الدولية، ويُعفي الحركة من تحميل الشعب أثمان سياسية واقتصادية واجتماعية باهظة نتيجة لهذه السياسة.
- ان الموائمات التكتيكية التي صاغتها حماس لناحية محاولة التوفيق بين الحكم والمقاومة، وبين المبدئية والبرغماتية لم تأت أكلها في سياق محيط عربي معاد لها، ومعادلة فلسطينية مختلة، وقيادة رسمية لا كوابح لديها في سياق التنازلات، وهو ما انتقص من قيمة موائمات حماس وضرورتها لإسرائيل.
- تجربة الحركة في الحكم هي تجربة مزدوجة النتائج، ما بين فشل عميق في إدارة الأزمات الداخلية التي كانت تعالجها بأزمات ومواجهات مع الاحتلال، وأزمة في إدارة ملف التحالفات، وهو ما انتبهت له في السنوات الأخيرة وبدأت تحدث تقاربًا أكتر ليبرالية مع دول الجوار على وجه التحديد.
- إن عقد من الزمان في وجود حركة حماس على رأس الهرم السياسي في غزة شهد أزمات كبرى ومعقدة كان من أهمها الأزمة السياسية في النظام الفلسطيني وانقسامه، وهو أحد أهم خطايا حركة حماس التي تقدمت للأمام بخطى متسارعة أدت لوقوعها في الشرك الذي نصب لها، وتسبب في زيادة أزمة النظام السياسي وتعميق أزماتها الداخلية.
- إن تجربة الجمع بين المقاومة العسكرية والحكم لم تنجح، بل ساهمت سلباً في رفع تكلفة المقاومة وربطها بأخطاء الحكم، وهو ما قاد إلى تشويه نصاعة صورة المقاومة في الوعي الوطني، ورفع التكلفة المفروضة على الشعب.
- فقدنا الكثير من العلاقات العربية بسبب الانقسام، وتحملت كل من فتح وحماس جزءاً من المسؤولية؛ باعتبار أن ذلك أثَّر سلباً على المشروع والقضية، وأدى ذلك لتراجع الدعم والتعاطف بسبب هذه الحالة من التشظي، والتي أعقبت الأحداث المأساوية في يونيو 2007. 
- لم تقدم الحركة نموذجاً مشرِّفاً للحكم وإدارة المؤسسات العامة، حيث وقعت الحركة بين معادلة الحكم بما يتطلب من مرونة سياسية لتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، والمقاومة بما تتطلب من استعدادات حقيقية. فوقعت الحركة في المنطقة الرمادية، فهي لم تقدم نموذج مشرف في الحكم عبر توفير الحياة الكريمة للسكان التي تحكمهم نتيجة الحصار وتكرار الحروب، وفي المقابل لم تستطيع الاستمرار في مشروع المقاومة واقتصرت مقاومتها على رد العدوان ومواجهة الاقتحامات الإسرائيلية.
نصائح وتوجيهات للمستقبل
- عدم الدخول في أية انتخابات قادمة في ظل الظروف الدولية والإقليمية الراهنة، والاكتفاء بدعم شخصيات وطنية قادرة على التعاطي مع المعادلات السياسية المتقلبة، وألا تنزلق مرة أخرى في مربع المناكفات الداخلية، التي قد تفقدها كثيراً من الشرعية الشعبية.
- ابتعاد الحركة عن "الأنا الحزبية" عند دخولها لمعترك الحكم وميدان السياسة، وتجنب حشر أنف التنظيم في كل ما هبَّ ودبَّ، لتصبح حكومة شعب مسئولة عن شعب.. وفي الظروف التي نعيشها، وتعقيدات جغرافيا المكان والمحيط الإقليمي، فمن الصعب أن تنجح حماس في المزاوجة بين السياسة ومتطلبات الحكم وبين العمل بنهج المقاومة.
- عدم تصدر أيُّ أحد من القيادات الحالية مشهد الانتخابات، إضافة إلى أن على قيادة الحركة قبل الانتخابات إعادة بناء القدوات بشكل قوي، فغالباً سقطت مكانة القدوات والرموز في إنشغالات العمل الدنيوي، وأصبحوا لا يختلفون عن غيرهم.
- إظهار الحرص على الشراكة الوطنية، وأن تكون معايير الاختيار مبنية على حسابات الكفاءة والمهنيِّة، وأن تستند التحالفات مع الآخرين إلى المصلحة العامة، حيث إن الحشد للمعركة الفاصلة مع الاحتلال بحاجة إلى كافة الجهود.
- تأسيس حزب سياسي مدني أو إعادة تفعيل حزب الخلاص الوطني؛ لأن الحزب يرفع عن الحركة حرج الاعتراف بإسرائيل، ويرفع عنها تكاليف سياسية كثيرة، على أن يكون الحزب ممثلاً عن كل أطياف الشعب الفلسطيني.
- التركيز على انتخابات المجلس الوطني وتشكيل قيادة جديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية على أساس وثيقة الوفاق الوطني، وليس على أساس اتفاقية أوسلو، وأن تدخل الحركة انتخابات السلطة بحزب سياسي يُغلب البعد الوطني على الأيديولوجي، ويضم المرأة والمسيحيين. 
- قيام الحركة بفصل السياسي عن الدعوي، واستحداث نظام انتخابي حديث ومؤهل، وإعادة النظر في المنهاج التربوي والحركي، وضرورة الاستفادة من تجربة حزب العدالة والتنمية المغربي.
- تطبيق الحركة لوثيقة المبادئ والسياسات التي أصدرتها في يونيو 2017؛ لأنها لم تنعكس بعد على سياسة الحركة داخلياً وخارجياً.
- يجب على الحركة أن تبني علاقاتها الإقليمية والوطنية بناء على دعم القضية الفلسطينية، بغض النظر عن المذهب والدين والجغرافيا.
- اختيار الحركة لممثليها في المؤسسات الحكومية بناءً على الكفاءة والتجربة دون إعطاء البعد التنظيمي أهمية كبيرة، كما الحال في السابق، وعليها أن تعطي الشباب أولوية كبيرة، على غرار ما يحدث في تركيا والدول الأوروبية وتونس وغيرها من الدول الواعية، وعليها أيضاً أن تعطي المرأة أهمية كبيرة.
- عدم الجمع بين المتناقضات؛ لأن محاولة الجمع بين الحكم والمقاومة كانت على حساب الحركة والشعب والقضية، وهذا يتطلب أن تختار حماس بين أن تكون حركة مقاومة وتنسحب من مشهد الحكم بشكل كامل، أو حزب سياسي مرن عليه التجاوب مع الواقع المحلي الفلسطيني والإقليمي والدولي.
- أن تقوم الحكومة على الشراكة الوطنية وعدم الاستفراد بالحكم.
- إيجاد مراكز أبحاث لدراسة السياسة الخارجية وتدريسها للوزراء، مع إعداد وتأهيل الوزراء والنواب على أسلوب الحكم وإدارة الدولة. 
- إجراء الحركة لمراجعات شاملة تقوم على أساس الانسحاب من مشهد الحكم كلياً، وإعادة النظر في أدبياتها الفكرية وتعزيز الدمقرطة داخلها، وفتح أبوابٍ أكثر لمناخات الحرية والتعددية الفكرية في داخلها، وعقد مؤتمر عام يشارك فيه جميع أعضائها، ويقومون بانتخاب قيادات الحركة وفق التصويت الحر المباشر.
- تشكيل الحركة لمجموعات تفكير من المساندين لها، ومن الخارجين عن إطارها التنظيمي؛ لأن من يقف خارج التنظيم يمكن أن تكون الصورة أكثر اتساعاً وشمولاً أمامه، وأن تستفيد من توصيات هذه المجموعات في تطوير أدائها السياسي.
- تقوية العلاقات الوطنية والعربية قبل الخوض في الانتخابات.
- الفصل بين الدعوي والسياسي، وبين العسكري والحكومي، وعدم خوض الانتخابات بالشخصيات القيادية الأولى.
- العمل على تشكيل حزب سياسي برجماتي قادر على التعاطي مع المتطلبات الدولية، مما يمنح الحركة الفرصة للتعافي تنظيمياً بعد الإنهاك الذي تعرضت له، وتخفيفاً على الشعب. كما أن هناك حاجة لإجراء مراجعة وتقييم لتجربة الحكم بشكلٍ صادق لاستخلاص الدروس والعبر للاستفادة منها في التجارب القادمة.
- قيام الحركة بتجديد الخطاب السياسي والإعلامي، وأن تعيد تشكيل واجهة إعلامها المرئي، كما أن عليها إبعاد الإعلاميين الذين كانوا مثار جدل أو خلاف، وعليها كذلك أن تكون أكثر واقعية من ذي قبل.
- العمل مع الكل الوطني الفلسطيني في إطار وطني جامع، وتصدير كفاءات وطنية للعمل الحكومي، بعيداً عن الحزبية الضيقة، وضرورة فصل عمل التنظيم عن الحكومة مع تقديم مصلحة الوطن والمواطن.
- التمسك بمركز القوة، وليس مركز السلطة المليء بالقيود، وأن تبحث الحركة عن خروج آمن لها ولكتائب القسام من السلطة فوراً، وبأقل قدر من الخسائر، وأي تأخير يزيد المشهد تعقيداً أمامها.
- الابتعاد عن الحكومة، والعمل على دعم مرشحين مستقلين، وتشكيل حكومة كفاءات وطنية تكون قادرة على بناء جسور تفاهم مع المجتمع الدولي، ومؤهلة لنزع أي ذرائع للاحتلال بأنها حكومة إرهابية، وتعمل هذه الحكومة على إنعاش الحياة الاقتصادية الفلسطينية، وتحقيق نمو اقتصادي عاجل وشامل.
- العمل على طرح مشروع سياسي يحاكي فقه الواقع السياسي والمتغيرات الدولية، ويكون واضح المعالم يتقبله العالم، وأن تكون المقاومة - بأشكالها المختلفة العنفيِّة واللاعنفيِّة - حاضرة في هذا المشروع..
- الاكتفاء بالوجود في المجلس الوطني والمجلس التشريعي، حيث إن معاناة المواطن اليوم هي في غياب الشفافية والمسائلة.
- يجب أن تكون الحركة واضحة في أنها لن تطلب الأغلبية، ولا حتى تصدر المشهد السياسي. ولا يكفي بالطبع إعلان عدم طلب الأغلبية، بل ينبغي أن تكون حساباتها صحيحة في عدم طلب ذلك. هذا على مستوى النظام السياسي الفلسطيني داخل الأراضي الفلسطينية. وحتى لا تقدم تفويضاً شعبياً وشرعياً مفتوحاً لأي جهة أو فصيل فيما يتعلق بالمشروع الوطني، يمكن للحركة أن تركز في خطابها على الفصل بين سلطة تعمل لتدبير شؤون الناس، وبين احتكار المشروع الوطني الفلسطيني، والذي لا يمثله إلا منظمة التحرير؛ باعتبارها ممثلة للكل الفلسطيني في جميع أماكن تواجده تمثيلاً عادلاً ديمقراطياً.
- الانتقال من مربع الإخوان المسلمين كإطار أكبر إلى الإطار الوطني، بهدف استيعاب الجميع، والتأهل للمشاركة الحقيقية في قيادة المشروع الوطني.
ختاماً: الحكيم من عرف الخطأ وتجنبه
من خلال الحوارات والنقاشات التي تدور داخل أروقة حركة حماس، وما يتهامس به الكثير من أبناء الحركة، وخاصة نخبها الفكرية وشرائح المثقفين الواسعة داخل إطاراتها التنظيمية، فإن هناك إقراراً بوقوع أخطاء، واعتراف بأن قلة التجربة في العمل الحكومي، واشتغال الكثير من قيادات الحركة في الدوائر الدعوية والتربوية من على منصات الخطابة ومنابر الوعظ والإرشاد، وغياب الوعي الكافي بفقه الدين والسياسة لدى الغالبية منهم، قد كان وراء تعثر التجربة، والتي - للأسف - تعرضت لتآمر دولي وتواطؤ إقليمي ومناكفات محلية، كان من نتيجتها الاحتراب الداخلي، وشق الصف الوطني، وفرض الحصار الظالم على قطاع غزة، وكذلك تعاظم الضغوط على السلطة، وترنح الحالة السياسية الفلسطينية للسقوط تحت براثن الاحتلال وما يسمى اليوم بصفقة العصر، لشطب القضية من على الأجندة الدولية، بهدف تكريس واقع الكيانية الاستعمارية التي تمثلها إسرائيل بدعم وإسناد أمريكي، والذي يشهد أعلى درجات استكباره مع هذه الإدارة الأمريكية التي يقودها الرئيس ترامب.
باختصار: إن لحركة حماس الكثير مما يعتبره أبناؤها إنجازات سياسية ووطنية، وعليها كذلك ما ينظر له خصومها كأخطاء وخطايا أدت إلى ما آلت إليه الأمور من ضعف وهشاشة الحالتين السياسية والأمنية، وكذلك الأوضاع المعيشية الكارثية.
وفي إطار النصائح وحركيِّة الوعي المطلوب لمستقبل فلسطيني واعد، فإن هناك الكثير مما تعلمناه كفصائل وتنظيمات حول مفهوم الشراكة السياسية والتوافق الوطني. 
وإلى أن يتأتى ذلك وتتحقق وحدتنا، فإن لسان حال الشعب الفلسطيني سيبقى يردد ويصدح في أذن كل فصيل: "أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جئتنا"!!