أفادت مصادر دبلوماسية غربية بأن الادارة الامريكية سعت مؤخراً الى تشكيل إدارة محلية لقطاع غزة بعيداً عن السلطة الفلسطينية، لكنها لم تجد أي تعاون محلي معها ما حدا بها الى التوجه الى الامم المتحدة لتنفيذ هذه المشاريع.
وقالت صحيفة الحياة اللندنية إن الشهور القليلة الماضية شهدت سلسلة تحركات دولية وإقليمية ومحلية لمواجهة المشكلات الإنسانية المتفاقمة الناجمة عن الحصار المتواصل على قطاع غزة منذ أحد عشر عاماً، لكن تعدد الأطراف المؤثرة في القطاع جعل التوصل إلى حل مهمةً بالغة الصعوبة، كونها تتطلب موافقة كل تلك الأطراف دفعة واحدة.
أولى هذه الجهات هي إسرائيل التي تفرض حصاراً برياً وبحرياً وجوياً على غزة، وترفض رفعه قبل استجابة حركة «حماس»، الجهة الحاكمة في القطاع، لمطالبها، وفي مقدّمها نزع سلاحها، وتسليم جثتي جنديَّين قُتلا في حرب عام 2014، وأسيرين يحملان الجنسية الإسرائيلية محتجزين لديها.
وشهد الموقف الإسرائيلي بعض الحلحلة في الشهرين الماضيين، إثر تصاعد التظاهرات الاحتجاجية على حدود القطاع، وبدأت تظهر أصوات تطالب برفع الحصار عنه من دون ربط ذلك بنزع سلاح «حماس». لكن الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي لم تتفق بعد على صيغة نهائية لرفع الحصار. ففيما يصر وزير الجيش أفيغدور ليبرمان على إطلاق سراح الإسرائيليين وجثتي الجنديين أولاً، يبدي وزراء آخرون مواقف أكثر مرونة. وظهر موقف جديد في الحكومة يطالب برفع الحصار عن غزة، وإقامة مشاريع حيوية في القطاع تجعل «حماس» تتردد كثيراً في خوض أي مواجهة عسكرية مع إسرائيل خشية خسارتها.
لكن النقاش في الدولة العبرية لم يحسم بعد لمصلحة استمرار الحصار أو إنهائه. وعزا أحد كبار المحللين في إسرائيل، يوسي مليمان، هذا الخلاف إلى خشية الوزراء على شعبيتهم في الشارع.
وكتب مليمان في صحيفة «معاريف» العبرية أن «ما حصل في جلسة الحكومة التي انعقدت لبحث المواجهة مع غزة، واقتراحات التخفيف من الحصار ومنع حدوث الأزمة الإنسانية في القطاع، يشبه ما يسمى في لغة السيارات ضغطاً كاملاً على دواسة الوقود، فيما المحرك في حالة العادم».
وأضاف: «جلَس الوزراء نحو أربع ساعات، طرحوا اقتراحات، نفسوا عن أنفسهم، وفي النهاية لم يتخذوا أي قرار».
وتابع: «الأمر المذهل هو أنه في الأحاديث الخاصة يؤيد معظم الوزراء اتخاذ قرار يسمح بتحسين حياة مليوني فلسطيني يعيشون في غزة من دون شبكة مجار أو كهرباء أو ماء مناسبة للشرب. غير أنهم قبل أن يصلوا إلى البحث، تجدهم يغرّدون، يجرون مقابلات صحافية ويطلقون بيانات متناقضة مع موقفهم الأصلي. باختصار، واحد في الفم وآخر في القلب».
والطرف الثاني المؤثر في قطاع غزة هو الإدارة الأميركية التي بادرت أخيراً إلى عقد مؤتمر خاص في واشنطن لبحث الأوضاع الإنسانية في القطاع، لكنها ربطت ذلك بمشروعها السياسي المقبل المسمى صفقة القرن.
وقالت مصادر دبلوماسية غربية إن واشنطن سعت في الآونة الأخيرة إلى تشكيل إدارة محلية لقطاع غزة بعيداً من السلطة الفلسطينية، لكنها لم تجد أي تعاون محلي معها، ما حدا بها إلى التوجه إلى الأمم المتحدة لتنفيذ هذه المشاريع.
لكن الأمم المتحدة التي سعت إلى تجنيد دعم مالي دولي لمواجهة المشكلات المتفاقمة في القطاع، واجهت مشكلة كبيرة من الجانب الإسرائيلي الذي لم يحسم رأيه بعد.
وحذر المبعوث الخاص للأمم المتحدة في القدس نيكولاي ميلادينوف من أن التصعيد الأمني على الحدود مع قطاع غزة قد يتدحرج إلى حرب قال إنها ستكون أقسى وأصعب من عملية «الجرف الصامد» عام 2014.
وقال ميلادينوف في مقابلة صحافية، إن قطاع غزة في حاجة ماسة إلى «سلسلة إجراءات طوارئ فورية وعاجلة تشمل قطاعات المياه والكهرباء والصحة»، لكن تحقيق ذلك يتطلب تعاون جميع الأطراف في المنطقة.
وأضاف أن «الوضع في غزة جعلنا نبدو في مظهر سيئ للغاية، إذ شوّه صورة جميع الأطراف في المنطقة، بما في ذلك مصر والسلطة وإسرائيل».
وأشار ميلادينوف إلى أن الخلافات الداخلية الفلسطينية لا تزال تعيق تنفيذ مشاريع وافقت عليها إسرائيل في السابق.
وبلغ عدد هذه المشاريع 130 مشروعاً، تم إقرارها بعد مؤتمر المانحين الذي عُقد في شرم الشيخ عقب الحرب التدميرية في 2014 والتي تمخض عنها تدمير البنية التحتية في القطاع بصورة كبيرة.
أما الطرف الرابع المؤثر في القطاع فهو مصر، الدولة الوحيدة التي لها حدود خارجية معه، بعد إسرائيل.
وتقول القاهرة إن فتح المعابر مع القطاع يتطلب وجود السلطة الفلسطينية الرسمية على هذه المعابر.
وزار ميلادنوف العاصمة المصرية الأسبوع الماضي، للبحث في إعادة «حماس» والسلطة إلى طاولة المصالحة، من أجل السماح للحكومة بالعودة إلى حكم غزة.
وقال إن المصالحة هي «الطريقة الوحيدة من أجل التقدم في حل الأزمة في غزة». لكن السلطة ترفض الشراكة مع «حماس» وتصر على تسلم الحكم في القطاع بصورة كاملة، ما يعيق التوصل إلى اتفاق.
وأمام تعثر التوصل إلى اتفاق يرضي جميع هذه الأطراف المؤثرة في قطاع غزة، تقدم عالم فلسطيني- أميركي هو البروفيسور عدنان مجلي بمبادرة للحل تقوم على خلق أرضية مشتركة مع هذه الأطراف كافة.
وقال مجلي في تصريح لصحيفة الحياة إنه عقد سلسلة لقاءات مع مختلف الأطراف المؤثرة في قطاع غزة، خصوصاً «حماس» والسلطة الفلسطينية والأمم المتحدة والإدارة الأميركية، وخلص إلى أن الحل الممكن لأزمة غزة يكمن في إيجاد خريطة طريق واضحة المعالم تلبّي مصالح الأطراف المختلفة.
وأضاف أنه «لا يمكن لطرف أن يسلم للطرف الآخر، لذلك يمكن إيجاد صيغة رابح- رابح بين السلطة وحماس، وبين حماس وإسرائيل، وبين حماس ومصر، ما يفتح الطريق أمام خلق واقع جديد في قطاع غزة».
وأوضح أنه «يمكن للسلطة الفلسطينية أن تعود إلى قطاع غزة، وتتسلم الحكم بصورة كاملة، وتضع التشكيلات العسكرية كافة في إطار جيش وطني دفاعي، لكن هذا يتطلب دخول حماس إلى النظام السياسي، إلى منظمة التحرير والسلطة من خلال إجراء انتخابات عامة، وتشكيل قيادة وطنية موحدة لمنظمة التحرير».
وتابع: «في الإطار نفسه، يمكن اعتبار قطاع غزة جزءاً محرراً من فلسطين، وبالتالي تتحول القوات العسكرية فيه إلى قوات دفاعية فقط تحافظ على أسلحتها، وتتوقف عن تطوير أسلحة جديدة، وترفع إسرائيل الحصار عن غزة، وتبدأ خطة إنعاش دولي للقطاع، بما يشمل إقامة مطار وميناء، وإطلاق عملية تنمية واسعة».
وقال إن «حماس» التي تلتزم هدنة مجانية مع إسرائيل في المرحلة الراهنة، يمكنها أن تحصل مقابل هذه الهدنة على رفع حصار عن القطاع، في حال الموافقة على وقف تطوير السلاح، وإن السلطة يمكنها توحيد الفلسطينيين في الضفة وغزة ضمن إطار نظام سياسي واحد تستفيد منه الحركتان.
ومن المقرر أن يصل إلى المنطقة الأسبوع المقبل مستشارا الرئيس الأميركي جيراد كوشنير وجايسون غرينبلات لبحث أزمة قطاع غزة والمخارج المتاحة منها. وقالت مصادر ديبلوماسية غربية إن كوشنير وغرينبلات سيزوران كلاً من إسرائيل ومصر ودول خليجية لهذه الغاية.
ويعاني قطاع غزة من أوضاع انسانية واقتصادية صعبة في السنوات الأخيرة جراء استمرار الحصار الاسرائيلي وتقليص السلطة الفلسطينية رواتب موظفيها في غزة مؤخراً.