جدليات الثورة والنضال

thumb (4).jpg
حجم الخط

 

من المعروف أنه عندما يفشل السياسيون فإن التحركات الشعبية تكون للضغط والإصلاح وربما التغيير، بهدف تصويب البوصلة، فالتظاهرات السلمية بشكل عام هي حق مشروع لجميع مكونات الشعب الفلسطيني، وهي تعبير نضالي حضاري، وأن واجب الشرطة والأجهزة الأمنية حمايتها، وليس التدخل كطرفٍ فيها !!
جهات كثيرة وجهت انتقادات طالت حركة حماس بسبب ما جرى في "حراك غزة" من فضٍّ للتظاهرة أو الوقفة السلمية، والتي جاءت تلبية لنداء حراك الأسرى والمحررين لإنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة، ورفع العقوبات عن غزة.. في الحقيقة، إن ما حدث كان مؤسفاً ومؤلماً، وما كان ينبغي أن يقع ما وقع من تحريض وتلاسن واتهامات، والكل يتحمل المسئولية.. وكما انتقدنا ما جرى في رام الله الأسبوع الماضي من تعديات على المسيرة السلمية التضامنية مع قطاع غزة بشكل وقح وبذرائع مفتعلة ولأسباب واهية، فإننا نطالب هنا بلجنة مستقلة للتحقيق فيما وقع من أخطاء وتجاوزات تمس الكرامة الوطنية، وضرورة محاسبة المسئولين عن ذلك، للحفاظ - ما أمكن - على تماسك لِحمتنا ونسيجنا الاجتماعي وتوحدنا خلف فعلنا النضالي الذي تجسده مسيرة العودة..
فكما غرَّدنا فرحين لتضامن الضفة الغربية مع غزة في حِراكها الرمزي في وقفة عيد الفطر المبارك، ووجهنا الاتهامات اللاذعة للسلطة وأجهزتها الأمنية، بسبب قمع التظاهرة السلمية هناك، فإننا هنا نقول ونكرر: إن من يصفق للتظاهرات الاحتجاجية في الضفة الغربية؛ باعتبارها عمل نضالي، عليه أن يتفهم أن هذا الفعل النضالي ليس مقصوراً على الضفة وحدها، ففي ظل حالة التعثر السياسي التي تجاوزت الأحدى عشرة سنة، فإن كل الأطراف مدانة، وأن من حق الشعب أن يقول كلمته، وأن يعبر عن غضبه من استمرار حالة الانقسام بأجوائها المحبطة وتداعياتها الكارثية.
يقولون: ربَّ ضارة نافعة.. نعم هذا صحيح؛ حيث إن مسيرات الغضب هي جرس إنذار للفت الأنظار المحلية والإقليمية والدولية لخطورة أمر ما.. انظروا لتظاهرات الغضب في الأردن قبل أسبوعين، وكيف كانت نتائجها برداً وسلاماً على استقرار البلاد.
لا تكرِّسوا مفهوم الدولة البوليسية، حتى لا يتجاهلنا العالم ونفقد التعاطف الدولي.. نعم؛ حركة حماس من جانبها، أكدت في بيانٍ لها أن ما حدث في ساحة السرايا لم تخطط له أي جهة وطنية، وإنما جاء نتيجة الاحتقان والتوتر الذي يسود القطاع، والتباين بين المشاركين، وهو أمر مؤسف ترفضه الحركة وتدينه، وتؤكد وجوب العمل على منع تكراره.
وأنا هنا أضم صوتي لصوت أخي النائب يحيى موسى، الذي طالب بفتح تحقيق فيما جرى في ساحة السرايا، ومحاسبة المتسببين به لما سببه من ضرر بالغ للنضال الوطني الفلسطيني والوحدة الوطنية.
وحتى لا تتكر تلك الأخطاء القاتلة، فإنني أتمنى على الجميع الوعي بنقطين: أولاً؛ أن نجاح مسيرات العودة وكسر الحصارمرهون بتلاحم الكل الفلسطيني، وإذا اختلت موازين الرؤية وتنازعت المواقف، فإن القلوب ستتفرق ولن نتمكن من حصد نتائج إيجابية من تلك المسيرات، وعلينا أن نتذكر حكمة السابقين: "تأبى الرِّماحُ إذا اجتمعنَّ تكسُّراً ... وإذا افتــــرقَنّ تكــسّرتْ آحادا"، فإذا غابت صور الود والتراحم والمودة بيننا كفلسطينيين، فسوف تنكسر قدراتنا وتشتت إمكانياتنا وتتبدد الجهود.
ثانياً؛ إن التعبيرات الاحتجاجية السلمية في الداخل ليس كما يحاول البعض تصويرها بأنها "شرٌّ محض"، بل - ربما - فيها من عواقب الخير الكثير، من حيث إسماع كل الأطراف الفاعلة في المنطقة خطورة الأوضاع وإمكانية تفجرها بما لا يخدم مصالح الجميع، فتكون الفرصة للتحرك والتسريع بعمل شيء.
إن على كل من هو في مشهد الحكم والسياسة؛ سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، أن يعلم بأن الأوضاع الكارثية - معيشياً وسياسياً - لم يعد يتحملها أحد، فالمرجل يغلي وبصوت هادر، وإذا لم نحسن التعامل مع حالة الغضب والاحتقان في الشارع الفلسطيني فستغرق سفينة الوطن، ولن ينجو منَّا أحد!! وحينئذ؛ لن ينفع هذا التصرف ولات حين مندم.