كوشنير وعباس

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

على صعيد السجال بالكلام، من الطبيعي أن نكون مع عباس ضد كوشنير، بل مع الأول بقوة ضد الثاني بأشد عبارات الإستنكار، ليس لما يسعى اليه وحسب، وإنما كذلك لمنطق الغطرسة والاستكبار، الذي يعتمده الفتى الأمريكي بكل صفاقة.

هذا الأخير، جاء لإسماعنا ما معناه: هكذا سيكون الحل، فلتقبلوه وإلا. لكننا على صعيد الفعل الشعبي الذي نستطيع بهديره، رد الصاع صاعين لكوشنير؛ لسنا قادرين على عون عباس في شيء. فالأمريكيون هم الذين ضخوا السم، من أسنان أفعى، فتسمم رئيس السلطة ولم يُعطَ ترياقاً، حتى تخثّر الدم في أجهزته الحيوية، وغُدده الليمفاوية، وغدا يخبط في الناس متأثراً بانخفاض دورته الدموية مع الغثيان والإسهال الذي تسببة في العادة لدغة "الحيّة".

اليوم يعيّرونه بأعراض حالته، ويقولون له ما معناه، ليس لك في العير ولا في النفير، فنحن الحنونون المتألمون على عذابات الناس في غزة، ونحن قادمون للإغاثة!

لنتخيل في هذه اللحظة أن عباس لم يدمر المؤسسات ولم يخسر الكتلة الشعبية، ولم يصل في كيده وأحقاده، الى حال المفاخرة بخنق غزة و"عقابها" على لا ذنب، بعد كل مآثرها وصبرها وصمودها وعطائها؛ فما الذي كان بمقدور كوشنير أن يقوله له وعنه، وأية بضاعة ستكون مع الفتى؟ وكيف بمقدورنا أن ننفي وجود مأساة في غزة، وخواء في مؤسسات السلطة، وفساد وترف سلطوي يغيظ فقراء الناس، وممارسات إطاحة القانون ؟

صهر ترامب، ضئيل الإلمام بوقائع أحوالنا، فلو كان قد استوفى إلمامه، لتوسع هجومه على عباس وقال: نحن فضلاً عن هدف تحسين أحوال الناس في غزة، جئنا لإنقاذ المجتمع في الضفة من كبت الحريات والفساد والإقصاء والقبضة الأمنية لأن هذه كلها تنعكس غضباً في اتجاه إسرائيل، إن لم يكن بالسلاح الناري، فبالدهس والطعن. أي في الخلاصة، سيجيء الثعلب في ثوب الواعظين، لكي يجزر صاحبه!

فما الذي فعله عباس بنفسه، عندما اعتمد سياسات اجتماعية ونمطاً من حكم الفرد الذي يُرهب حتى مواليه، بخفة قلمه الذي يشطب أدوار الوطنيين، ويقطع الأرزاق ويسلب الحريات ويهين من ينتقد بكل أدب؟      

تلقى عباس الحقنة، ولم تُحرجة في البداية، واهماً أن استرضاء إسرائيل بالتنسيق الأمني، من شأنه إغلاق الباب الذي يأتيه منه الريح لكي يستريح. ها هو حتى ليبرمان أعتى العنصريين الإرهابيين،  ينتقد تجويع الناس ويرى في هذه الممارسة حماقة ترتد عليهم طائرات ورقية لاهبة، وقصفاً يقابل قضفاً، بقوة دفع شعب غاضب. فما هو موقفه حين يفرض عليه الأعداء إنصاف الناس رُغماً عن أصداغه؟ هل سيكون في نظر المجتمع الفلسطيني قائد السفينة والمسيرة وفخامة الرئيس، مثلما يردد الخائفون من قطع الرزق والانتهازيون؟

ثم ما معنى أن يقاطع عباس الأمريكيين في الظاهر، مع التواصل معهم سراً على مستوى قيادات أمنية لم يتلق الواحد منها دورة عسكرية أساسية لفك وتركيب مسدسه، ولم يتعلم درساً عن العقيدة الأمنية في أي وطن، بأبعادها الموصولة بالسياسة وبالأهداف الوطنية؟

وما معنى أن يقاطع الأمريكيين، وهو يجافي الطيف السياسي الفلسطيني وحقوق شعبه، ويتجاهل ضائقة الناس  وحرمانها؟ وبماذا يتسلح الرجل لكي يقاوم "الصفقة" وهو الذي جعل البسطاء يقولون أن أيام الإحتلال أفضل من أيامه، في موازين الناس والحياة، ويحاججون بأن خلق الله كانت تعيش ميسورة وتقاوم؟!

على الرغم من ذلك كله، نحن مع عباس ضد الأمريكيين المتغطرسين. ومن محاسن التقارير الجديدة، تلك التي تبشر بأن "الصفقة" سقطت قبل أن تقوم، وقد أسقطها الذين راهن ترامب عليهم، لكنهم أسمعوه اعتراضاتهم الجوهرية. فلا عباس أسقطها ولا أحداً من حوارييه. فلو كان العرب تماشوا في هذه المسألة مع ترامب، وعاند عباس بموجب اعتبارات حسبته الشخصية والخاصة، فإن أمره سيكون هيّناً على الجنرال نيتزان ألون قائد المنطقة العسكرية الوسطى في جيش الاحتلال، وهي دائرة الأمن الإستراتيجي الإسرائيلي التي يأمن فيها عباس على نفسه فيهجم علينا بقلمه الأرعن!