االجامحون الكبار والحال الفلسطينية

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

على رقعة الشطرنج الكونية، يربح في كل يوم طامح وجامج. وعلى الرُغم من مشروعية الطموح، ومن كون الجموح أحد صفات الدولة الناشطة؛ فإن الرابحين الطامحين،  يتجاوزون في كل يوم، حدود طموحاتهم، ويتفاقم جموحهم!

فلاديمير بوتن غدا قيصراً يرسم المصائر لأوطان أخرى بعيدة وقريبة. ونتنياهو بات لاعب خط الهجوم والهدّاف في لعبة التأثير الإقليمي والسياسة، يحصد الأرباح في كل ساعة، ومن بين مشروعاته الأخيرة، إخلاء الإيرانيين من سوريا. والمرشد الأعلى الإيراني يعلب ويُرّقض العرب على أرض ملعبهم، وترامب يمسك بضآلته السياسية، وبـ "الأنا" المتضخمة لكي يرسل الفلاشات التي تؤذي العيون وتخادع العقول. وكي شي جينبينغ، الزعيم الصيني يمنح الأوسمة لرؤساء الدول، ويعمّق منهجية الزعيم "البارماونت" التي اختارها المرحوم القذافي واستنكرها الجميع، وهو إلغاء رئاسة الدولة، لكي يتفرغ للحسم في كل شيء في هذه الدولة العظمى. ويفعل أردوغان الشيء نفسه في الجوهر، فيُبقي على رئاسة الدولة،  ويشطب رئاسة الوزراء لعدم الإزعاج. وكيم جونغ إن، المستحوذ على الدخل الكوري الشمالي، وفي قلبه ومن قلبه يتفنن في أساليب قتل المشتبه في عاطفتهم، يصعد الى منصة الكبار رُغماً عن كبيرهم الأمريكي. أما سيرجو ماتاريلا، زعيم الإئتلاف الشعبوي اليمنيي الحاكم في إيطاليا، فإنه يخطو في سياق ذي رائحة فاشية، بقوة دفع حزب "الرابطة" اليميني المتطرف، ويبتعد عن شروط تفويضه في الانتخابات، إذ يفتح ثغرة في الجدار الأوروبي، لتغذية النزعات العنصرية!

العرب، للأسف، ممددون على سرير الكشف الطبي مشقوقة بطون أوطانهم أمام الجرّاحين، والزعماء العرب ــ إن جازت التسمية ــ يواجهون مصاعب كبرى،  أو ردود أفعال على مصاعب اصطنعوها بأنفسهم ولأنفسهم.

 نحن كفلسطينيين يعنينا من بين الجامحين أحد أصغر صغارهم، أوصله الإحساس بالمهانة الى حد القول لشعبه في خطاب متلفز، إننا جميعاً تحت الحذاء الإسرائيلي. وعباس هذا، رزيّة الرزايا في التعاطي مع شعبه، لكنه بالمحصلة، جامح صغير على المستوى المحلي!

 جوهر السياسات المتداولة، على رقعة الشطرنج الدولية، تنم عن تضامن الرابحين الجامحين الكبار، وتوافقهم الضمني على ألا يتدخل أيٌ منهم في سياقات جموح الآخر، ما عدا الإعراب عن وجهة نظر أو عتاب، أو نقد ناعم، عندما يصبح الجموح الصهيوني ضخماً وفائق الغلاظة، كأن يُقال مثلاً إن إسرائيل أفرطت في استخدام القوة. كأن شرطياً قد تجاوز، وبدلاً من استخدام صفارته أو يده، استخدم هراوته، أي كأن الجامح الصهيوني لا يقتل بشراً ولا يوسع دائرة المآسي في حياة شعب آخر مظلوم أصلاً. أما أن يتنادى الجامحون الكبار، للاجتماع لكي يقرروا اتخاذ أي إجراء ردعي ضد القتلة، في الاقتصاد والتعاون الربحي والسياسة، ضد الزميل الضمني أو الحليف الصريح نتنياهو، فهذا أمر غير وارد! 

كنا، في سالف الأيام، عندما نواجه عدوانا نقول "يا وحدنا" بمعنى أن الأشقاء استنكفوا عن مشاركتنا في القتال لصد العدوان ودفاعاً عن النفس. اليوم، باتت هذه الأمنية من المستحيلات، وهذه هي الحقيقة.

تُرسم السياسات وتتأسس على الحقائق. هنا، ينهض السؤال: في ضوء أية حقائق يتوجب على الفلسطينيين رسم سياساتهم، فيما الرياح الإقليمية والدولية، تأخذنا الى العدم نحن وقضيتنا؟

أول هذه السياسات وأهمها، هي السياسة الداخلية. فالسياق الفلسطيني اليوم، على مستوى النُخب السياسية المتنفذة، أشبه بسياقات المرضى في المصحات النفسية أو أحوال المسجونين لمدد طويلة، لا سيما عندما يتشاجرون. ويَرْجح التشبية بالمصحات النفسية، وهي في مقاصد إنشائها بُنيت لعزل المخابيل لا لمعالجتهم. فكلٌ من المرضى، أصيب بعطب في خلايا المخ، لكي يعيش واهماً أنه محور الكون، والنجم الصاعد المُبهر، الذي يقرر أو يأمر فيُطاع.

لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس. فقد بدا واضحاً أن المخرج لن يكون بغير مبادرة شعبية، لاستعادة الداخل الفلسطيني بتمام صحته. إن المجتمع هو مخزن الفضائل ومستودع الأصحاء والأذكياء والنزهاء والزاهدين والوطنيين. وعندما يستعيد الفلسطينيون حقهم في أخذ زمام أمورهم، تُرسم السياسات على أساس الوقائع، ثم نراكم على منجزاتها، ما يجعلنا رقماً على رقعة الشطرنج الدولية، التي يرتع فيها الجامحون الكبار الذين لا يرون كل علائم محنتنا. فنحن أصحاب حق، لن نحيد عن السعي الى استرجاعه!