الحل المنشود ليس في وارد جهلة أميركا

التقاط.PNG
حجم الخط

 

بعد قراءتي ما تم من حديث صحفي بين الأخ وليد ابو الزلف، رئيس تحرير جريدة "القدس" الغراء وجاريد كوشنر، مستشار وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تبين لي بأن كوشنر لم يأتِ بأي جديد، بل بالعكس أعاد نفس اسطوانته التي كانت وما زالت ترددها الادارة الصهيونية في واشنطن. أي أن جميع ما قاله هو ترديد لما سمعناه منذ العام ١٩٤٨م، أي ان الشعبين تواقان الى سلام يحفظ كرامة الفلسطينيين، ولكن الدخول في أي موضوع جدي بعيد عما هو متفق عليه عالمياً. ولكنه كان صريحاً عندما تحدث عما يريده العرب، وهو دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، لم يتطرق لموافقة اميركية على حدود العام ١٩٦٧م، وفقط يعبر عن "شفقته" على أهل غزة، ولكن بدون أي ذكر لأراض محتلة، أو أي حدود معترف بها، متجاهلاً ان انحياز أميركا للاحتلال ودعمه بالمال والسلاح هو السبب الرئيسي لمأساة غزة خاصة والشعب الفلسطيني عموماً.

الجميع يعلم علم اليقين بأن جميع الادارات الأميركية كانت وما زالت جاهلة في معرفة الشعب الفلسطيني، وارادته وتصميمه على الحرية والاستقلال، وغني عن القول بأن هذا ينطبق على جميع من تولوا الحكم منذ ترومان والى يومنا هذا بدون استثناء، وحتى أوباما الذي كنا نعتقد بأنه رجل عند كلمته، خصوصاً فيما قاله بخطبته الشهيرة في أول زيارة له خارج البيت الأبيض عندما ألقى كلمته العنترية في جامعة القاهرة، واعتقدنا بأننا وجدنا ضالتنا بإنصافنا وإعطائنا بعضاً من حقوقنا التاريخية في أرضنا فلسطين، وطبعا حسب القوانين والقرارات الدولية، ولكن ثبت بأنه كان أجبن من أن يقال عنه رئيس أكبر دولة في العالم، وانكفأ في البيت الأبيض لخدمة رؤساء العصابات الصهيونية، ولم يتم تنفيذ قرار واحد أممي من التي وقعت عليها حتى أميركا.

اليوم يأتينا ترامب، أغبى رئيس جمهورية في العالم ليقود أميركا الى أسفل درجة من النفاق والكذب والعربدة ضارباً بعرض الحائط الأسس والأخلاق الديمقراطية وحقوق الانسان والتي تأسس عليها دستور الولايات المتحدة.

الشعب الأميركي طيب ولديه من الفهم والتعقل ما يلزم، ولكن مع الأسف فان الاعلام الصهيوني تغلب على عقل وطيبة الشعب الأميركي، وهذا يعود الى اخطائنا المتكررة في الاعلام. وكنت أول من نبه الرئيس الراحل الرمز ابو عمار عن هذا الموضوع، وللأمانة سمعت نصيحة من الرئيس بوش الاب بهذا الشأن، وقد خطونا خطوات جادة لشراء ثلاث محطات اعلامية في أميركا ودعم هذا الموضوع الحساس المناضل الفذ الشهيد صلاح خلف، لكن مع الأسف وبقدرة قادر لم تخرج الفكرة لحيز التنفيذ في هذا الموضوع الحساس جداً بالنسبة للشعب الأميركي ولقضيتنا.

لا ندري حقيقة ما حصل للضابط الاميركي تايلور فورس الذي قتل في يافا عام ٢٠١٦ وليس في الضفة الغربية أو غزة، أي ان مسؤولية الأمن هنا لاسرائيل، فيما ينسب مجلس النواب الأميركي هذا للسلطة الفلسطينية لقطع المساعدات الاميركية عن الشعب الفلسطيني، وتنسى اميركا بأنها هي الدولة الكبرى التي دعمت تشريد الشعب الفلسطيني وسرقة الاراضي الفلسطينية ، ومن ثم تستغل حادثاً كهذا للتضييق على الشعب الفلسطيني وسلطته الوطنية.

على كل فإن شعبنا وبقيادة الرئيس محمود عباس قد كسب هذه الجولة من محاولة ملاحقة السلطة الوطنية حتى أمام المحاكم الأميركية. ويا ليتنا نكسب إعادة الوحدة الوطنية كي نكسب جميع الجولات القادمة.

الآن نحن في وضع حساس جداً ولا نحسد عليه خصوصاً ما نواجهه من دولة المحتل التي زرعها الغرب وخاصة بريطانيا وأميركا في منطقنا الآمنة والتي لم تترك شراً اخلاقيا او عنصرياً إلا وارتكبته بما في ذلك سرقات بقوانين اخترعها الاحتلال ليستولي على أملاكنا وأرزاقنا ويجعلنا شعباً يقف في الطابور لإطعام أطفاله. ولكن نقول لأميركا ولهذا الاحتلال البشع بأننا شعب لم ولن يركع، بل شعب قاوم وما زال يقاوم الإستعمار الجديد القديم كما أنه شعب يكد ويعمل في جميع الدول التي هاجر إليها، ومنزرع في وطنه.

نحن وفي جميع المقالات تقريباً نطلب وننبه ونرجو من زعماءنا المسؤولين عن حرية ورفاهية شعبنا الفلسطيني بأن يتجهوا الى وحدة الوطن، ولكن لغاية الآن مع الأسف ليس هناك أي نوع من أنواع المصالحة، بل نجد أن آذان هؤلاء الزعماء «واحدة من الطين والثانية من عجين»، وهذا هو ما أكده ليبرمان عندما طمأن شريكه في الحكم نتنياهو بأن العرب وخصوصاً الفلسطينيين من المستحيل أن ينهوا خلافاتهم، مع أنهم حلفوا أمام أستار الكعبة المشرفة بأن ينهوا خلافاتهم ويتوحدوا لمصلحة هذا الشعب الصابر المرابط المضحي من أجل حريته، بعكس الانقساميين الذين يعدون ولا يوفون.

في آخر زيارة لي الى رام الله للمشاركة في أعمال المجلس الوطني قابلت سفيرنا في واشنطن الأخ حسام زملط، الذي أعتز وأفتخر بأنه يمثل شعبنا الفلسطيني في أميركا، ودار حديث حول خطة لمصلحة قضيتنا الوطنية وهي البدء من القاع الى الأعلى، وهذا هو الصحيح، لأننا يجب أن نتعلم من دروس الماضي وعدم الإكتفاء بالعاطفة وترديد مقولات عامة حول الحق والعدل والظلم...الخ.

ترامب استلم الرئاسة منذ أكثر من عام وداس على جميع القوانين والقرارات الدولية كرمال عيون ابنته وزوجها الصهيوني كوشنر، ومحاميه المتطرف ديفيد فريدمان الذي أقنعه بالتبرع ومساندة المستعمرات التي أقامها المحتل على أراضي أبناء شعبنا، كما أنه عين عصابة الأربعة اليهود الاشكناز، وآخرهم جيمس غرينبلات لوضع «خارطة» لحل قضيتنا وأسماها صفقة العصر.

وهذا جهل ما بعده من جهل، فالمعروف أن أي صراع يحتاج الى حل تجري مفاوضات ذات أسس متفق عليها بين طرفيه تكون منسجمة مع الشرعية الدولية. ثم يعقدان الإجتماعات ويناقشان خلافاتهما ويصلان الى حلول وسط ترضي الطرفين، وهو عكس ما يفعله ترامب وشلته الصهيونية الذين رسموا الطريق كما يريدها المحتل والآن يقومون بالتنفيذ، بعكس ما عرضه العرب والعالم، بضرورة الإنسحاب الكامل من الأراضي التي احتلت في العام ١٩٦٧م مقابل السلام الشامل، وإنهاء محنة اللاجئين وإطلاق سراح أسرى الحرية.

ثم يأتينا سيء الذكر غرينبلات ليلقي نصائح في الوطنية للأخ المناضل الدكتور صائب عريقات، ومن ثم يأتينا كوشنر وغرينبلات ليزورا بعض البلاد العربية التي يعتقد جهلاً بأنها موافقة على صفقة ترامب الجهنمية والتي يعتقد جهلاً بأن السعودية والإمارات ومصر توافق عليها مقابل حفنة دولارات لا تساوي حذاء طفل فلسطيني.

الشعب الفلسطيني في حيرة من أمره من هذا الانحياز الأميركي وهذا الجهل لدى قيادة الدولة العظمى في العالم. فاذا كان العرب قد قالوا كلمتهم في قمة الظهران، والفلسطينيون قالوا كلمتهم وقطعوا جميع اتصالاتهم مع عدوهم الأكبر، فكيف يواصل كوشنر وشلته العمياء اللهاث وراء سراب مصلحة المحتل فقط، فأي غباء هذا؟

لا يمكن لأي رئيس أميركي أو غير أميركي بأن يقنع أي عربي أو فلسطيني بالتنازل عن الثوابت الوطنية للمحتل، وكي ينعم العالم بالسلام والازدهار ويترك الحروب المذهبية ويتجه للإعمار يجب العودة للشرعية الدولية وقراراتها والاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.

لقد تحول ترامب من زعيم أميركي عالمي الى بلطجي بامتياز، لقد قالها العرب في الفم المليان، في الظهران برئاسة الملك سليمان بن عبد العزيز، بأن القدس هي العاصمة الأبدية لفلسطين. وما يقبله الفلسطينيون يقبله العرب، أي لا يوجد الى مجال غير هذا المنطق، ثم يأتينا كوشنر وغرينبلات لإقناع السعودية بقبول ما يعرضه ترامب، ويسمع نفس الجواب، وبكل الوقاحة يقول بأنه مستعد للإجتماع بالرئيس محمود عباس بدون أن يغير مواقفه الأميركية المنحازة للاحتلال التي يرفضها الرئيس عباس وكل الشعب الفلسطيني.

لقد ظن البعض بأنه ولربما يفهم العقل الاميركي الذي يحكم أميركا اليوم بأن الشعب الفلسطيني قد يقبل بما تأمره به اميركا منذ ترومان والرؤساء الذين أتوا من بعده وهو وهم لا أساس له، ومع الأسف بقي العقل الأميركي أسير بلطجة اسرائيل حتى اليوم.

الان همنا الأول هو إنهاء الانقسام وعودة المياه الى مجاريها ولندرس ونرسم جميع الخطط المتاحة لإنتزاع حريتنا، أما الاعتماد على أخلاق الغرب فهو قمة الغباء.