الطريقة التي تجري فيها عملية "تبليع" الاتفاق بين الدول الست وإيران. تنطوي على نوع من التنافس المسبق على تسويق النتيجة... انطلاقا من وجود معارضات قوية لدى الطرفين، بشأن الصفقة من خلال ما تسرب عنها.
وحسب ردود الفعل وخصوصا الشعبية، سيحرز اللاعبون نقاطا "مع أو ضد".. وفي حالة إيران فقد قررت الانتصار لأسباب داخلية، وأعلنته قبل أن يبرم الاتفاق.
أما بالنسبة لأوباما فكل ما يقول ويفعل هو ووزير خارجيته والناطقون باسمه، والحلفاء الأوروبيون، يندرج تحت عنوان التحشيد المسبق لتمرير الاتفاق في الكونجرس، وتوسيع دائرة الداعمين له من الحلفاء الأوروبين.
لو أبرم اليوم أو غداً.. اتفاق غير موقع، انتظاراً لاقراره في الكونجرس بعد شهرين، فسوف يدخل العالم مرحلة جديدة يؤرخ لها بما قبل الاتفاق وما بعده، والذي سيختفي من السجالات والتحليلات السياسية، الموضوعية والموجهة هو الموضوع النووي، الذي سوق كعنوان وهدف ليحل محله الموضوع الأهم وهو مستقبل النفوذ الإيراني في المنطقة. الذي سيكون في حال أفضل مما كان عليه ما لم ينجز الاتفاق. غير أن "الحال الأفضل" الذي قصدته هنا ليس كما يذهب البعض في استنتاجاتهم شديدة التخوف والتي تبلغ غالبا حد الزعم بأن الولايات المتحدة ستعقد لواء الزعامة الشرق أوسطية والخليجية بالذات لإيران. ذلك أن الأمر لن يكون إلى هذا الحد، حتى لو بالغت إيران في البناء السياسي على الاتفاق، وبالغت أمريكا في السكوت عن سياسات إيرانية في المنطقة، ذلك أن أمريكا ساكتة فعليا قبل النووي، وستظل ساكتة بعده، إضافة إلى أن أمريكا التي كانت تقرر كل حركة وسكنة في العالم وخصوصا في منطقتنا الموالية، لم تعد كما كانت، فقد ضعفت قبضتها وتراخت.. وصار بوسع أقرب حلفائها التصرف بحرية واستقلالية، بما في ذلك كسر المحرمات القديمة، في كل المجالات الاقتصادية والاستراتيجية والتسليحية.
إلا أن ايران المرهقة اقتصادياً بفعل العقوبات، سوف تتنفس بارتياح أكبر، حال رفعها، ولو تدريجيا، وهذا ما يزعج خصومها الذين يقدرون بأن الوفرة المالية التي ستتاح للدولة الإقليمية العظمى، ستمكنها من تطوير مشروعها التوسعي في المنطقة من خلال الإغداق على الحلفاء، وخصوصا في سوريا ولبنان واليمن. وكل هؤلاء في حالة اقتتال محلي، يفتقر حتى الآن إلى عوامل واضحة لحسمه في اي اتجاه.
سترتاح إيران بلا شك، إلا أنها في حال ما بعد انضاج الاتفاق، ستجد نفسها مضطرة إلى خدمة وضعها الجديد، ببعض المرونة السياسية، وربما بعلاقات هادئة مع الجوار المتخوف والمتحفز. وإن لم تفعل إيران ذلك فإنها كمن يستثمر في الريح، أي أن المليارات التي ستحصل عليها جراء رفع الحصار ستذهب إلى البلدان التي تتخيل طهران أنها مقاطعات الامبراطورية الفارسية الطموحة، ما يثير ردود فعل قوية داخل إيران بفعل تبديد مقدرات الشعب، على مشاريع خيالية غير مضمونة!
الاتفاق حتى الآن في متناول اليد كما يجمع المتفاوضون من كلا الطرفين، ودخول العلاقات الدولية مرحلة جديدة بعده، صار أمراً حتمياً وإن لم يكن دراماتيكياً.
أما من المنتصر فيه. فهذا هو اللغز، الذي لا بد وأن يفرض نفسه على السياسيين والباحثين لفترة طويلة.. فما أصعب تحديد منتصر واحد حين يدعي النصر طرف بوزن الولايات المتحدة، ويدعيه كذلك طرف مقابل بوزن إيران، مع أن الأضعف في هذه الحالة ربما يكون المستفيد الأول وهو إيران المحتاجة لكل دولار ويورو.
والفرق كبير بين المستفيد والمنتصر!!