16 تموز 2015
تحقق الهدف الأسمى لرئيس الولايات المتحدة، براك اوباما، مع الاعلان عن الاتفاق في فيينا، أول من أمس: لن تكون لإيران قدرة نووية عسكرية في العقد القريب، على الاقل. وبدلا من أن تبقى على بعد ثلاثة اشهر من تحقيق هذه القدرة، كما هي اليوم، ستزداد هذه المدة الى سنة تقريبا. اضافة الى هذا الانجاز المهم بحد ذاته، فان الاتفاق لا يحوي الكثير من السعادة للغرب أو لاسرائيل.
في قلب الحوارات التي سبقت المراسيم كانت ثمة محاولة لايجاد توازن بين قطبين: مستوى الرقابة على الخطة ومنشآت السلاح النووي، وفي المقابل مستوى رفع العقوبات المفروضة على ايران. والحل الوسط الذي يقضي بالابقاء على زيارات المراقبين الدوليين في مواقع مشبوهة وبعد التنسيق المسبق مع الايرانيين، يوفر مدخلا للتعويق والادعاءات من قبل ايران والآلية التي تمكن من اعادة العقوبات ضد ايران، 65 يوما بعد الاخلال بالاتفاق، يتضح من التسريبات مؤخرا وجود خلاف حول طلب الايرانيين رفع الحظ عن بيع السلاح التقليدي لطهران، وفي نهاية المطاف تم الاتفاق على التمديد خمس سنوات.
من خلال متابعة النقاشات في المرحلة الاخيرة من المفاوضات، يظهر الاشتباه بأن البقرة (الولايات المتحدة) ارادت أن ترضع العجل أكثر مما يريد (ايران). يتضح أن تحقيق الاتفاق كان هدفا ايرانيا، لكن على طول الطريق ظهر التردد الايديولوجي المبدئي للزعيم الروحي، علي خامنئي، الزعيم الكهل الذي خشي من أن يكون رفع العقوبات اضافة الى انقاذ الاقتصاد الايراني، سيفتح بلاده على الغرب، الامر الذي سيمكن الأميركيين من قطف الثمار، وبالتالي سيتغير بالتدريج، تحت الضغط الشعبي، وجه النظام. الاستعداد للتوقيع على الاتفاق رغم التردد ورغم خطاب الخطوط الحمراء يثبت أن الصفقة كانت جيدة بدرجة لا يستطيع الايرانيون التنازل عنها.
الاتفاق بين القوى العظمى وايران هو الحدث الاهم بل اربع سنوات ونصف، وتصل البشرى الى الشرق الاوسط وهو مقطع الاوصال من حروب ذات طابع ديني واضح (الشرخ بين الشيعة والسنة) حيث تلعب ايران دورا في المنطقة منذ بدأ الانهيار في العالم العربي. دول سنية تخاف من ايران وتطلب الحفاظ على دورها في المنطقة، مثل السعودية ومصر وتركيا، من شأنها أن تخوض سباق تسلح بهدف تحقيق مكانة دولة على شفا الذرة، على ضوء تخوفها من أن ايران ستخدع الغرب مرة اخرى وتجد طريقة لتجاوز الاتفاق. أما الاموال التي ستضخ في الاقتصاد الايراني على ضوء رفع العقوبات، فمن شأنها أن تساعد في زيادة المصادر لنظام الاسد في سورية و»حزب الله» في لبنان و»حماس» و»الجهاد الاسلامي» في غزة والمتمردين الحوثيين في اليمن. التلميحات من واشنطن في السنة الاخيرة تشير الى أن ادارة اوباما تسعى الى تعاون الاطراف، مثل الصراع ضد تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) في العراق.
الازمة الخطيرة في علاقات الولايات المتحدة – اسرائيل التي في مركزها العلاقات الشخصية المتوترة بين رئيس الحكومة نتنياهو والرئيس براك اوباما، تركت نتنياهو في مكانة تأثيره فيها هامشيا في المراحل الاخيرة من المفاوضات. الآن وبعيدا عن الانتقاد العلني الذي سيوجهه رئيس الحكومة للرئيس الأميركي، يتوقع أن يبدأ الصراع في الكونغرس – محاولة نتنياهو تقييد اوباما عن طريق افشال الوعد الأميركي برفع العقوبات التي فرضها الكونغرس على ايران. رغم التشجيع الذي يحظى به رئيس الحكومة عند الجمهوريين، ورغم حقيقة أن تأجيل التوقيع على الاتفاق في فيينا أطال فترة المصادقة في الكونغرس الى شهرين، إلا أن نجاح نتنياهو يرتبط بقدرته على نقل 13 سناتورا ديمقراطيا الى المعسكر المعارض للرئيس. احتمال ذلك غير كبير في هذه المرحلة، رغم الثغرات الكثيرة في الاتفاق.
في كل الاحوال فان مكتب رئيس الحكومة سيبذل جهده في هذا الصراع، الذي سترافقه تهجمات كلامية على الرئيس وسياسته. نأمل ألا يؤدي الخلاف والعداء الشخصي الى حرق كل الجسور بين القدس وواشنطن. وفي نهاية المطاف بعد الصراع في الكونغرس ايضا، يتوقع أن ينتظر اوباما نتنياهو في البيت الابيض مع دفتر الشيكات والاستعداد لمنح اسرائيل تعويضا أمنيا سخيا.
اوباما ومتحدثوه سيحاولون تسويق الاتفاق في الايام القادمة على اعتبار أنه انجاز كبير في السياسة الخارجية الأميركية، والتطور الاهم في المرحلتين الانتخابيتين للرئيس. عمليا كان يمكن الأمل باتفاق افضل، لكن حتى لو كان اتفاق فيينا اشكاليا وناقصا، إلا أنه سيتحول الى حقيقة واقعية. في المقابل، فإن الهجوم الاسرائيلي على منشآت السلاح النووي لم يعد جزءاً من سيناريو واقعي، واذا نجح اوباما في الكونغرس فسنبقى مع الحقائق الاساسية: ايران ستبقى قوة عظمى اقليمية، ذات تأثير سيئ، لكن دون قدرات نووية عسكرية في هذه المرحلة. الرد الاسرائيلي على هذا التهديد يرتبط بتقوية العلاقات مع الولايات المتحدة وتحسين قدرة الجيش الاسرائيلي وتعزيز تحالف المصالح مع الدول السنية المعتدلة في المنطقة. هذه صورة مركبة لكنها ليست بالضرورة أسود من السواد.
عن «هآرتس»