العبرة من المشهد السوري

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

هناك الكثير مما يتوجب على القيادات الإقليمية والعربية، بما فيها الفلسطينية، أن تتأمله، من خلال رصد التطورات في جنوبي سوريا. ففي سياق هذه التطورات وأهمها، ينبغي التركيز على دور اللاعب الإسرائيلي، لكي نختبر رصيد الكلام الشامخ القديم الجديد، عن التصدي للإمبريالية والصهيونية والديكتاتورية، وأن نعرف محل العبارات المتداولة عن الامتناع والممانعة والدولة الإسلامية من الصرف. فما حديثنا الدائم، عن ضرورة احترام المجتمع وإطلاق حرياته إلا بهدف تعلية قدرة كل شعب، على مقاومة محاولات الهيمنة على بلاده.

الأمريكيون والروس، حلفاء إسرائيل لن يكونوا حلفاء صادقين وحقيقيين، للأوساط العربية التي تتوسل التسوية، ولن يكونوا حلفاء صادقين وحقيقيين للأوساط العربية التي تتحدث عن المقاومة. أما إيران، معقد الرجاءات لدى هذه الأوساط الأخيرة، فليس لديها ما تفعله حيال واقع الهيمنة الروسية على سوريا، في الوقت الذي تعهدت فيه موسكو لنتنياهو،  بالمساعدة على تصفية نفوذ طهران فيها، على النحو الذي يلبي المتطلبات الإستراتيجية الإسرائيلية. فقد بات حلم التمدد الإيراني ذي النزعة الطائفية، على أمل الوصول شرقاً الى ساحل المتوسط، حُلماً بعيد المنال. أما الشق الثاني، السُني، من الأصوليات المتطرفة التي كلما دخلت قرية خربت بيوتها؛ فقد حان موعد دفع ما تبقى من فاتورة تذابحها وانقساماتها، وغلاظة سلوكها وسذاجة أحلامها. بل لعل هذه الأخيرة، أدركت الآن الى أي مدى آذتها وضيعتها "غرفة الموك" في حوران، أي غرفة العمليات ومقر القيادة والتنسيق وإصدار الأوامر، وهذه غرفة تديرها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا والاردن وقطر، منذ أن تشكلت في العام 2013 وضمت عشرين فصيلاً من الجيش الحر في درعا والقنيطرة وريف دمشق وريف حلب الشمالي، وجعلت هذه الفصائل تلتزم شروطها، وفي جوهر هذه الشروط عدم المساس والاقتراب وتهديد الحدود الاسرائيلة بأية طريقة كانت، وحماية الحدود مع الجولان المحتل من أي تسلل إلى داخل إسرائيل. وبالطبع كان ارتهان هذه الفصائل للدول التي تمولها، على تناقض توجهاتها ومصالحها؛ سبباً في امتناع الغرفة عن تحريك الفصائل لنجدة فصائل أخرى، ومعظم هذه الفصائل من اللون الإسلاموي المتطرف!

وكانت القيود الميدانية على الفصائل، تضاهي أو تماثل القيود الأمنية والسياسية على السلطة في فلسطين، ما جعل الطرف الآخر، يعتمد لسنوات طويلة على حقيقة ارتباط المعارضة المسلحة بقوى عميلة، على افتراض أن النظام هو ممثل المقاومة والقوى الطاهرة. لكن سياسات واشنطن وموسكو وتل أبيب، ظلت ماضية في سياقها، وبعد الإجهاز على معظم المعارضة المسلحة، بمجهود حربي من الجو، شارك فيه النظام وطال الأبرياء، أصبحت إسرائيل، على درجة أعلى من التنسيق على مدار الساعة مع الروس. وارتفع التواصل العسكري بين قاعدة حميميم وتل أبيب من مستوى تغطية الهجمات الجوية الإسرائيلية على مواقع إيرانية وحليفة لإيران، الى مستوى التفاهم الاستراتيجي والسياسي الشامل. فقد تفاهم نتانياهو مع بوتين على ضرورة إخراج كل القوات الأجنبية، وضبط الحضور الإيراني في سورية توطئة لإنهائه، مقابل وعد من نتنياهو بتأمين مغادرة القوات الأميركية قواعدها في شرق وشمال شرق سوريا، ووقف التصريحات المطالبة برحيل الأسد والكف عن استعجال المرحلة الانتقالية!

تدور الدوائر على الأطراف الإقليمية التي تسلمت مقاولات الباطن، في بداية الأزمة، وتعمدت تدمير الإننفاضة الشعبية السورية ذات المضامين الديموقراطية والاجتماعية. أما الحلقات الصغري والمجموعات والألوية المسماة بأسماء قرآنية ورموز إسلامية،  بينما سلوكها سلوك شياطين؛ فقد أصبحت وقوداً للنيران الإغراقية من الجو والأرض، وتخلى عنها الذين ارتضتهم مرجعيات لها، وستغادر في حافلات الى نقاط تجمع، يجري قصفها وإبادتها لاحقاً!

فلا الأسد يعترض على الاستراتجية الروسية الإسرائيلية، ولا هو يجرؤ على شرح طبيعة الانتصار الذي يتحدث عنه، ولا إيران قادرة على وقف السياق المرسوم، ولا إسرائيل تشعر بأي قلق أو تهديد. بل هي التي تكتب السيناريو، وكل هذا بجريرة الرهانات الخطأ لكل الأطراف، واستباحة حقوق الشعب السوري ودمه ومقدراته وزراعته وحجارة منازله!

في النسخة الفلسطينية من هذا السياق، سيصبح طرفا الخصومة وشق الكيان الفلسطيني، محض فصيلين، توضع تدابير خنقهما فيما الشعب ينتظر انفراجاً لحياته، لأن القضية التي ضحى من أجلها وبذل الغالي والنفيس، هي آخر ما يعمل الفصيلان من أجله، وأول مفاعيل العمل من أجل القضية، هي اجتذاب الشعب لا خنقه وهدم عافيته وسلب حرياته!