الرواتب وفياض

thumbgen (34).jpg
حجم الخط

 

مسألتان وملفان إحتلا المشهد الفلسطيني في الأسبوع الأخير، وجرى تناولهما من قبل المنابر الإعلامية المختلفة، ونفخت فيها، وحملتها أكثر مما تحتمل، وخاصة ملف زيارد الدكتور فياض للرئيس ابو مازن، والملف الآخر، ملف الرواتب، وهو ملف أساسي وهام، ويمس بحياة الموظفين، وله عميق الصلة بالقانون واللوائح والنظم المعمول بها في الساحة الفلسطينية. ولإهمية الملفين، ساناقشهما سويا.

سأبدأ بالموضوع الأكثر أهمية وأولوية، الذي يتعلق برواتب الموظفين في محافظات الجنوب، حيث قررت اللجنة المختصة بقطاع غزة، والمكونة من قيادات العمل الوطني برئاسة الأخ عزام الأحمد، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحريربضرورة فصل موضوع الرواتب والإجراءات عن موضوع الإنقلاب الحمساوي، وطالبت بمعالجة فاتورة الرواتب للموظفين، والعمل على دفعها بنسبة 70% من اجمالي الراتب. وكانت اللجنة المركزية لحركة فتح إجتمعت مع الحكومة عشية عيد الفطر السعيد السابق، وأيضا إتفقت مع رئيس حكومة الوفاق الوطني ووزير ماليته على دفع الرواتب بنسبة ال70%، وكان الأخ ابو مازن خول جهات الإختصاص معالجة الأمر وفق المصالح الوطنية، وبما يحمي مصالح ابناء شعبنا في قطاع غزة عموما والموظفين خصوصا. 

لكن المفاجىء ان الحكومة لم تف بالتزاماتها وتعهداتها للجنة المركزية وللجنة المختصة بشؤون القطاع، فدفعت نسبة 50% من الراتب، دون ان توضح الأسباب، التي دفعتها لعدم الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الموظفين العموميين في محافظات الجنوب، ودون ان تحدد جدولا زمنيا لتسديد المستحقات المترتبة عليها للموظفين. الأمر الذي اثار الإستياء وردود الفعل مجددا في اوساط الموظفين والشعب على حد سواء، وشكك بمصداقية الهيئات القيادية المعنية بالملف. وترك هذا التصرف غير المبرر، وغير المفهوم علامة سؤال كبيرة في اوساط القيادات الوطنية والنخب السياسية قبل الشارع بشكل عام. وعليه يتحتم على الحكومة وجهات الإختصاص فيها أولا إصدار بيان توضيحي عن اسباب عدم الوفاء بالتزاماتها تجاه الموظفين ورواتبهم؛ ثانيا الشروع بإستكمال رواتب الموظفين دون إنتظار، لإن هذا حق لهم، وليس مِّنة من الحكومة؛ ثالثا على المعنيين وجهات الإختصاص في الحكومة ان يتعالوا على الصغائر والحسابات الشخصية، التي لا تخدمهم، ولا تخدم دور ومكانة الحكومة، بل العكس صحيح. 

موضوع لقاء فياض مع الرئيس ابو مازن:

أثارت زيارة الدكتور سلام فياض للرئيس محمود عباس نهاية الأسبوع الماضي لتهنئته بالسلامة من الوعكة الصحية، وايضا لمعايدته بعيد الفطر السعيد الكثير من الإستنتاجات والقراءات، وحملت الزيارة أكثر مما تحتمل. وذهب خيال البعض إلى حد وضع سيناريو الحوار بين الرجلين، وشروط فياض لتولي الحكومة القادمة، وحتى عاد لسطح المشهد في مواقع التواصل الإجتماعي بازار التوزير، وطرح اسماء من تلاوين مختلفة، وتحديد حصة حركة حماس من الوزارات، وحصة حركة فتح .. إلخ

وأود هنا أن اؤكد، ان عالم السياسة يحتمل كل السيناريوهات، ولا يجوز لإي من المراقبين أو السياسيين أن يستغرب أو يتفاجىء بأي تطور في الساحة الفلسطينية. ولكن لا يجوز التطير في قراءة المشهد، والحرص على الوقوف على أرض صلبة لإستشراف اي سيناريو محتمل، فأولا الزيارة كانت في إطار إجتماعي، وللتهنئة بالسلامة؛ ثانيا بالتأكيد يمكن الإفتراض ان الرجلين جالا على الموضوعات السياسية والإقتصادية وغيرهما من الملفات، ولا استبعد ان يكون ملف الحكومة قد طرح، لكن ليس بالضرورة ان يكون من زاوية تكليف سلام فياض؛ ثالثا موضوع تشكيل حكومة جديدة كان مطروحا قبل إنعقاد المجلس الوطني، وزاد الأمر بوتيرة اسرع نسبيا بعد ذلك، غير انه مازال على نار هادئة حتى الآن؛ رابعا مازالت حكومة الوفاق الوطني تعمل، ولم يطرأ تطور على ملف المصالحة الوطنية، كي يقال أن الضرورة تستدعي تشكيل حكومة وحدة وطنية، او أن طريق المصالحة الوطنية أغلق تماما وبالتالي لابد من تشكيل حكومة وحدة وطنية دون حركة حماس لمواجهة الإنقلاب الأسود، وطي صفحته كليا؛ خامسا لا يخشى الرئيس ابو مازن من الإعلان عن موقفه تجاه هذة المسألة او ذاك الملف، بتعبير آخر، لو كانت هناك نية لتشكيل الحكومة، فلن يتردد بالإعلان عن ذلك؛ سادسا الدكتور سلام فياض في لقائه مع جريدة "الأخبار" اللبنانية، أكد على طابع زيارته الإجتماعية للرئيس عباس، وأشار إلى رغبته بزيارة قطاع غزة والتواصل مع حماس، والتمسك بمبادرته للمصالحة، ولكنه لم يشر من قريب أو بعيد لإمكانية تشكيل حكومة جديدة. 

وبناءا عليه، كل ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية مجرد تكهنات وإفتراضات خاصة بأصحابها. أضف إلى ان الإدارة الأميركية تحاول من خلال أنصارها في الساحة الفلسطينية إيصال رسائل للرئيس ابو مازن كي يفتح باب الحوار معها، لا سيما وانها طالبت العديد من القادة العرب والأجانب للضغط على عباس ليستجيب لرغبتها في إستقبال موفديها، والإستماع لمواقفها إتجاه صفقة القرن، لكن رئيس منظمة التحرير رفض ذلك رفضا حازما، كونه يعي جيدا الأخطار، التي تحملها تلك الصفقة المشؤومة. 

لذا على الجميع التريث، والتدقيق الجيد في أي إستنتاج حول الزيارة، وعدم المبالغة، ومحاولة إعمال العقل كي يكون الإستشراف واقعيا ومنطقيا.