عن الاحتلال والفرح

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

فجأةً وكأن التفاحة سقطت على رؤوسنا واكتشفنا معادلة جديدة: كيف نفرح ونحن تحت الاحتلال والاستيطان يتمدد؟. وهات هالحدوته تخلُص وركب لها أقدام وايدين ورقبة وذنَب وصارت قضية الذين لم ينشغلوا بالهم العام يوماً، والمصيبة ان تلك المعادلة باتت للاستخدام فقط وليست موقفاً مبدئياً، فقد اذهب لفرح وأشارك والدَي العريس والعروس الفرح، هذا مباح لأنه لا فرار منه، قد يرقص مع ابنه او ابنته في تخريجهما من الجامعة  ويخرجوا معاً في حفلة خاصة، واذا اقترح احدهم مثلا إلغاء حفلات التخرج من الجامعات والمدارس او بهرجة الأعراس والخطبة تقام الدنيا ولا تقعد، ويصبح صاحب الاقتراح يتجنى على الناس ويتغطى بوطنية مدعاة لأنه يضرب اركان الصمود!!!!!!
لم تنقطع العلاقة الأبدية بين الفرح والابتهاج وبين رفض الاحتلال منذ السبعينات. كانت الناس صباحاً يومي الجمعة والأحد وفي عطلة الصيف تكون في العمل التطوعي ومخيماتها الصيفية وفي مساندة المزارع، وفي المساء تعقد حفلات السمر وغيرها، وانتعشت الحركة المسرحية والفنون التشكيلية والقصة القصيرة والرواية والشعر، ولم يكن احد يشعر بالحرج أو يجد من يزايد عليه ويسجل ضده.
وما أن انطلق مؤتمر ابناء رام الله المغتربين في رام الله حتى بدأت الحكاية وباتت شغل من لا شغل لهم، وكأن المغتربين نصبوا حاجزاً طياراً حال بين المنتقدين وبين الذهاب صوب الخان الأحمر الذي انطلقت فعالياته النضالية قبل المغتربين، وكانت الفعاليات منذ الصباح، وكأن النافورة باتت جداراً إسمنتياً يحول دون الفلسطيني ومسيرة النضال، ويصبح من يصنفون انفسهم ذوي عقول وقلوب مفتوحة هم من يشنون الهجوم ويؤسسون لثقافة خطيرة في البلد عنوانها محاربة الفرح بسبب الاحتلال والاستيطان. وقد تنسحب هذه الثقافة على كل شيء، وتنتقل من فكاهة ثقيلة الظل سببها الأساسي مناكفة آخر على خلفية انتخابية أو عشائرية، وان اتسعت لا سمح الله لا تلوموا الا أنفسكم فقط وعقولكم التي ادعيتم انها مفتوحة، ويومها لن تكون النتيجة لا دمار بلدية ولا النتيجة وقف تدريس التربية الدينية في المدارس كما تطالب عقولكم المفتوحة!!!!!!!!!!!!!!! بل لن تجدوا مساحة لممارسة فكاهتكم ثقيلة الظل لأنها ستصبح تهمة وعقابها أكثر مما تتصورون.
ظل الفلسطيني تاريخياً نموذجاً للتسامح والمحبة وقبول الآخر وكان مضيافاً لفرق العمل التطوعي في القرى والمخيمات، ولم يكن يوماً ذا موقف مسبق نتيجة لحسابات غير مفهومة وهي ليست سياسية وليست نتيجة للانقسام بل هي مواقف منبعها تنافسي ما بعد انقضاء العملية الديمقراطية الممثلة بالانتخابات، وكأن كل عضو مجلس بلدي مثلا مطلوب منه حسب العقول المتفتحة، ان يصدر موقفاً يقول فيه موقفه من النافورة ومن مؤتمر ابناء رام الله ومن التحول الطبيعي الذي يحدث في المدينة على كل المستويات، والمطالبة بإعادة رام الله الى قرية ليس أكثر.
ولمن جلد الشعب الفلسطيني برمته على مدار الأسبوع الماضي على قاعدة الخان الأحمر، نقول لهم إن الاستيطان ومواجهته ليس وليد اللحظة وليس ابتكاراً جديداً، والأصح أن نسأل ونسائل المرتجفين الذين لم تحملهم أقدامهم في العام 1999 عندما أعلنت أوسع حملة شعبية لمقاطعة منتجات المستوطنات ولم يقدموا خطوة مع المبادرة، بل باتوا يلتمسون اعذاراً لاصحاب المصالح النامية في المستوطنات، والمقام هنا لا يتسع لتذكيرهم بالإجراءات التي اتخذها القطاع الخاص الإسرائيلي لابطال تلك المبادرة، سواء بالترغيب لمنح علامة تجارية من المستوطنات لفلسطينيين يقومون بتعبئتها في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية لحماية انفسهم، وما زال الارتجاف فلسطينياً سائداً لليوم حتى عندما تبنت الحكومة الفلسطينية 2010 موقفاً واضحاً مانعاً قاطعاً من مقاطعة منتجات وخدمات المستوطنات.
ونكرر للذين جلدوا ايضا، لليوم هناك من يبرر تكملة الإنتاج في المستوطنات ونذكرهم كم هي الكميات التي ضبطت من المستوطنات، سواء أثاث او دواجن او دهانات أو مواد غذائية، ولم يمتعض احد من الجلادين يومها ولم يعلن موقفاً حاداً كما اعلن ضد بلدية رام الله والنافورة، ولم يشكلوا اداة ضغط لمنع منتجات المستوطنات، وعندما رفع السقف باتجاه مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ارتفع الضجيج والتشكيك والتشهير بمن اراد المقاطعة، حتى أن مقاطعة خمس شركات إسرائيلية على قاعدة التعامل بالمثل بات قراراً خاطئاً وفي غير موضعه، وبات التشكيك بقدرة المنتجات الفلسطينية على الحلول مكانها!!! حتى ان البعض المرتجف بات يتابع عن بعد ويعلق عن بعد.
مقاومة الاستيطان والاحتلال وتجفيف منابع الاستيطان يتطلب جهداً متكاملاً جوهره الالتصاق بالأرض ودعم المزارع الفلسطيني ومربي الثروة الحيوانية ومقاطعة العمل بالمستوطنات، ليس تجبرا بالعمال وإلحاقهم بسوق البطالة وتجويعهم بل إيجاد البدائل، المطلوب منع زراعة المحاصيل في أراضي المستوطنات وبيعها على أساس انها فلسطينية، منع توريد منتجات إسرائيلية من المستوطنات على أساس انها اقل سعرا نتيجة للإعفاء الضريبي للمستوطنات، عدم التعامل مع مشتريات المستوطنات من قبل تجار فلسطينيين على أساس ان هذا يشكل اختراقاً ومكسباً للمصنع والمستورد الفلسطيني.
هناك الكثير مما يجب ان يعرفه المعلقون والمنتقدون ليصوبوا بوصلتهم صوب المكان الصحيح، صوب جوهر مقاومة الاستيطان وإفشاله وتنضيب منابعه، وليتركوا جانباً حالة الفرح التي تنتزع من الوجع والألم والسجن الكبير الذي نعيش به، واذا كان الخيار ان نعلن الحداد العام ونعتزل الحياة وان نعبس، بالتالي سأزيدكم اقتراحات لتلغى المهرجانات المدرسية وحفلات التخرج، ولتخرج العروس من منزل والدها الى منزل زوجها، وممنوع ان نفرح بطبيب أخصائي تخرج حديثاً ... سيكون الجواب: اتقِ الله فينا يا رجل، ودعك من هذا، انت ذهبت بعيداً، لقد سبقتمونا في المزاد، وبما أن المزاد مفتوح دعوني ازايد كما تزايدون أو اهدؤوا لأهدأ.
والى قادة الفصائل وكوادرها والخارجين من فصائلهم، بالله عليكم لا تصدروا مشاكلكم وأزماتكم لنا، وحلوها بعيداً عنا وضبّوا المزايدين منكم، واذكركم عندما اراد الاحتلال السيطرة على شركة كهرباء القدس كانت الحافلات التي حملت كوادر الحركة الوطنية الى مقر الشركة للانتصار لها لا تُعد ولا تحصى، يوم أرادوا إخراج المناضل بسام الشكعة من بلدية نابلس كانت الباصات التي نقلت الكوادر أيضا لا تُعد ولا تحصى، يوم حوصرت جامعة النجاح الوطنية في نابلس خرجت باصات تقل الشباب والصبايا للانتصار، وفي مواجهة مشروع الإدارة الذاتية كان مجمع النقابات المهنية وجهة الحركة الوطنية، فعودوا الى أيام عزكم وكفوا عنا إحباطات ومزايدات كوادركم وعناصركم على الجماهير المغلوبة على امرها، قودوا الجماهير وكفوا عن التصفيق لأنفسكم، وأرجوكم لا تجعلوا من أنفسكم غطاء لكل من اراد ان يصبح منظّراً ويريد ان ينشئ ديوانية له ولمن لف لفه لينعت الناس بما شاء من نعوت وصفات.