قال وزير ما يسمى بالأمن "الإسرائيليّ" السابق موشيه يعلون، إنّ الفرصة الآن أصبحت تاريخيّةً لعزل القضية الفلسطينيّة عن مسارها العربي عبر تعزيز التعاون مع الدول المُصنفّة وفق المُعجم الصهيونيّ بالدول السُنيّة المُعتدلة، التي أصبحت ترى أنّ هناك تهديدات على مصالحها الخاصة أهّم من الصراع الفلسطينيّ- الإسرائيليّ، وأنّ هذه التهديدات على الدول المذكورة هي نفس التهديدات التي تُواجه دولة الاحتلال.
ورأى يعلون في دراسة نشرها عبر موقع مركز أبحاث الأمن القوميّ الإسرائيليّ، أنّه في ظلّ الظروف الجيوسياسية الحاليّة، تتراكم كتلة حرجة من المصالح المشتركة بين إسرائيل والدول العربية، قادرة على كسر “السقف الزجاجي الاصطناعيّ” الذي تطرحه القضية الفلسطينيّة أمام التطبيع، لافتًا إلى أنّه توجد فرصةً تاريخيّةً للنهوض بهذه المهمّة.
وشدّدّ على أنّ دور إيران كزعيم لما أسماه بـ”المحور الراديكاليّ” الذي يعمل بدونٍ كللٍ لتقويض الأنظمة السُنيّة، وتقسيم العالم العربي ككلّ، مُشيرًا إلى أنّ الحرب الأهلية في سوريّة واليمن هي صورة مصغرة للتوترات والصراعات الإقليمية من أجل السيطرة، وفق تعبيره.
ووفقًا له، فإنّ التغيرات الجيوسياسية التي حدثت في المنطقة والعالم على مدى العقد الماضي أدّت إلى تغيير أولويات الدول السنية البراغماتية بطريقةٍ تؤثر أيضًا على نظرتهم لإسرائيل، مُضيفًا أنّ هذه الدول في مواجهة التحديات الإقليمية، تجد نفسها في قاربٍ واحدٍ مع إسرائيل، وأنّ هذا يحفز التقارب وإيجاد طرق وأطر للتعاون، وفي ذات الوقت يدفع بالقضية الفلسطينية إلى ذيل قائمة الاهتمامات الإقليمية وأولوياتها ضمن تلك التحديات بالتزامن مع تزايد إحباط القيادة الفلسطينية الحالية في السياق الأوسع للصراع مع إسرائيل.
وشدّدّ يعلون على أنّ العقبة الرئيسيّة أمام التطبيع هي الرأي العّام في الوطن العربيّ، مُوضحًا أنّ هذا هو الحاجز الذي يُمكن التغلّب عليه من خلال حلّ الصراع مع الفلسطينيين، أوْ إقناع العالم العربيّ بأنّه من المفيد الفصل بين القضيتين، مُضيفًا أنّ رفض التطبيع وترسخه يشدد ويجذر المواقف الفلسطينية ويرسخها، وبناءً على ذلك دعا إسرائيل إلى التوجّه للتعاون مع الأنظمة العربية والتخلّص من التعامل مع القضية الفلسطينية في السياق العربيّ، على حدّ تعبيره.
وأشار يعلون إلى وجود توافقٍ عربيٍّ ناشئٍ لدى دول “معتدلة” حول الموافقة على التحفظات الإسرائيليّة تجاه مبادرة السلام السعودية- -العربية، وبشكلٍ خاصٍّ، حول حذف الجولان المحتل وحق العودة من النقاش، مُوضحًا أنّ القضية الفلسطينية خدمت الأنظمة العربية من جهتين، كسلاح ٍعبر ادعاءهم الالتزام بها، فمن ناحية السعي لإضعاف السياسة الخارجية الإسرائيليّة وتعزيز معاداة إسرائيل المعلنة، ومن ناحية أخرى ضبط الشارع العربيّ واستغلاله من قبل الأنظمة الاستبدادية وتقديم إسرائيل باعتبارها كبش فداء لسياسات هذه الأنظمة داخليًا، وبقائها السياسي عبر استمرار إشعال نيران الأزمة لقمع الاضطراب الداخليّ عبر تأسيس إجماعٍ قوميٍّ عربيٍّ ضدّ عدوٍ خارجيٍّ يُهدد الأمة بأسرها، مُدعيًا أنّ تحرير الضغط في هذه البلدان ساهم في خلق وحدةٍ وطنيّةٍ في العالم العربيّ، يصعب تشكيلها حول أيّ قضيةٍ أخرى، بفعل التناقضات في الهويات المكونة الدينية والعرقية والقبلية المتعددة، بحسب تعبيره.
وتابع أنّه على مرّ السنين أدرك العالم العربيّ أنّ إسرائيل ليست أمرًا عابرًا، وكانت مصر بالتالي أول من اعترف بهذا ووقعت معاهدة السلام عام 1979، مؤكّدًا على أنّ كان أوّل من توصل إلى ممارسة تحالفٍ سريٍّ استراتيجيٍّ مع إسرائيل في عام 1970، حينها قرر الأردن الانسحاب من القضية الفلسطينية وطرد الفلسطينيين من أراضيه، وتحول هذا إلى “تقارب قوي” في عام 1988.
ورغم تغير الصراع إلى ثنائيّ، أضاف يعلون، بقيت الدول العربية حاضرة عبر قضايا موضوعية مثل الحدود ما تطلب التنسيق بين هذه الأنظمة وإسرائيل، وهذا ما دفع بالقنوات الإقليمية بعد فترة طويلة من المسار الثنائي بين إسرائيل والفلسطينيين والذي وصل إلى طريقٍ مسدودٍ.
ورأى يعلون أنّ المُبادرة العربيّة تعكس اعتراف العرب بأنّهم لا يملكون حلاً عسكريًا للصراع، ورغم أنّ المبادرة لم تنص على حقّ العودة بشكلٍ واضحٍ، إلّا أنّها أشارت لإيجاد حلٍّ عادلٍ ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفق القرار 194 للجمعية العامة للأمم المتحدة، مُشيرًا في الوقت عينه أنّ فوائد المبادرة تتجسّد أساسًا في التطبيع المقترح وتحمل أهمية تاريخية لإسرائيل، التي يزعم أنّها سعت منذ نشأتها لتحقيق السلام، كما قال.
جديرٌ بالذكر أنّه خلال العامين الماضيين كثر الحديث في تل أبيب عن ضرورة إنشاء تحالفٍ استراتيجيٍّ يضم "إسرائيل" والدول السنية المعتدلة، وفي طليعتها مصر والسعودية والإمارات والأردن والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربيّة، وقامت فكرة التحالف المذكور قامت على أساس أنّه ضروري في مواجهة التهديدات المشتركة، وبالأخص الخطر الإيراني والتنظيمات الجهاديّة.