نداء خان الأحمر وعرب الجهالين

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

في مقدور أبي خميس، الناطق بلسان سكان خان الأحمر، من قبيلة "الجهالين" البدوية الفلسطينية، أن يروي لكل ذي ضمير في هذا العالم، تفصيلات كثيرة من حكاية البشر والمكان الذي لجأوا اليه في العام 1952!

 بعد نكبة 1948 بثلاث سنوات، طرد مغتصبو وطننا العديد من الأسر، من أرضها في النقب. وبعد سنة أخرى كان المطرودون بقوة السلاح الغاشم، يفتشون عن مكان يلائمهم ويلائمونه، إستقروا على موضع كان على مر التاريخ، نقطة استراحة للقوافل، ونشأ بناؤها الحجري الأول، في القرن السادس عشر، على الطريق النازل من القدس الى أريحا، عند حواف التلال الحمراء الجيرية!

 كان شأن الأسر الوافدة، شأن أسر أخرى انتقلت مع قطعان أغنامها، الى مواضع أخرى مأهولة بسكانها البدو القلائل. لكن إسرائيل وضعت من بين خططها بعد احتلال الضفة، تصفية التجمعات السكنية البدوية التي طردتها سابقاً من النقب!

في حكاية خان الأحمر، كانت خطة الإحتلال الأولى، نقل الناس الى مكب نفايات "أبو ديس" بجوار القدس، وما أحبط ذلك، أن بلدية القرية أشهرت ملكيتها لأراضي المكب. ففي الأصل، اختار عرب الجهالين موضع خان الأحمر، استلهاماً لذكرى واحدة من علائم طريق القوافل في بلادنا. وبالطبع لم يخطر في ذهن أسر الجهالين التي تناسلت، أن الصهيونية التي طردتهم من أرضهم في العام 1952 ستلاحقهم في موضع اللجوء وتطردهم مرة أخرى هم ومستضيفوهم القدامى، وأن المكان مُدرج في قائمة الأماكن التي تحدثت عنها الأساطير، في التأويل التوراتي لقصة وردت في إنجيل لوقا، عن السامري المسيحي الصالح، الذي يُضمّد جراح يهودي اعتدى عليه اللصوص. وبدل أن يقتدي الصهيوني اليهودي الجديد، بالسامري الصالح القديم، ارتدى في زمن الإمبريالية الأمريكية الجامحة، ثوب اللص الذي اعتدى على اليهودي القديم العابر، لكي يتوسع في مستوطنة مجاورة، هي واحدة من رموز النهب والاستلاب والتطفل على أراضي الناس وحياتهم وحقوقهم!

في العام 2010 اتخذ التحرش الصهيوني بخان الأحمر منحى عملياً، بعد رصد سلطات الإحتلال نشاطات بناء قد تُحسّن ظروف الحياة. وكالعادة، رفع المحتلون البطاقة الحمراء في وجه الجهالين، لوقف البناء بذريعة عدم الترخيص. وكأن الترخيص متاح وامتنع الناس عن طلبه، أو كأن البناء في تل أبيب وليس في الضفة لكي يُطلب من إسرائيل الترخيص. وفي خريف العام 2012 عرض الإحتلال على سكان القرية، نقلهم  إلى منطقة النعييمة في وادي الأردن شمال أريحا، فرفض سكان خان الأحمر، وقال أبو خميس "إن مكان إعادة التوطين، سيكون سجناً لنا"!

في الحقيقة، ظل الناس متشبثين بالأرض، على الرغم من استنكاف سلطة الخيبة الفلسطينية عن أية مبادرة لمساعدة أهالي الخان، على صعيد التنمية الإجتماعية. ولولا الطليان، لما كان لدى الجهالين مدرسة لتعليم أطفالهم. وهذا طبيعي لأن خان الأحمر تقع في المنطقة المصنفة ج وسلطة الخيبة لم تستطع بعد أكثر من ربع القرن من تصنيف بيت لحم كمدينة فلسطينية في المنطقة ( أ ) أن تستبدل المطويات والتذكارات والكتب الإيضاحية التي تباع في المحال التي تخدم الحجاج المسيحيين في ساحة المهد، وتقدم للسائحين بيت لحم كمدينة إسرائيلية، بمطويات وكتب وتذكارات تقول إنها فلسطينية، مثلما تعترف "أوسلو" نفسها. وهذا واحد من البراهين على خيبة السلطة والوزارات المختصة وعناوينها المفخّمة. أما بالنسبة لخان الأحمر، فقد كانت منظمة المساعدة الإيطالية "فينتو دي تيرا" ومعها متطوعون آخرون أجانب، قد بادروا في العام 2009 ىالى بناء مدرسة في القرية بعد رصد صعوبة وصول الأطفال إلى مدارس الضفة الغربية. ابتهج الجهالين بالمدرسة، وكتبوا على لافتتها: "سنبقى هنا طالما بقي الزعتر والزيتون"!

غير أن نداء الزعتر والزيتون، ومعه نداء الجهالين، لا زال ينتظر استجابة كبرى في كل المدن، لكي يكون الحراك شعبياً عارماً، كلما استهدف العدو موضعاً على خارطة فلسطين، ولنا في تضامن سفراء أجانب معتمدين لدى إسرائيل، وذهابهم الى خان الأحمر، عبرة وجرساً يُقرع!