لو كانت إسرائيل حكيمة لأعلنت يوم الاتفاق الإيراني عيداً

تنزيل (2)
حجم الخط

لو كانت اسرائيل حكيمة وليست مغسولة الدماغ لكانت سعيدة، هذا الأسبوع. 
يوم التوقيع على الاتفاق مع ايران كان يجب أن يكون يوم عيد، عيد منع الحرب القادمة، الأصعب من جميع الحروب. كيف ستفرح دولة (تزعم أنها توجد في خطر وجودي) اذا لم تفرح بفرصة منع الحرب؟.
لكن يتبين أن فرصة منع الحرب في اسرائيل هي بحد ذاتها كارثة. كارثة رقم 2. مُنعت نهاية العالم، تأجلت لعقد من الزمن، وفي اسرائيل أعلنوا حالة الطوارئ. أنقذونا، لا يوجد هجوم على ايران، جميع الخطط المحكمة ألقيت في القمامة.
تتوق اسرائيل الى رؤية الطائرات الحربية تقلع فجراً، تقصف وتقصف، كما تدربنا على مدى السنين. كم تمنى بنيامين نتنياهو وأبواقه الكثيرة هذا الامر في وسائل الاعلام، القصف، ويفضل أن يكون من الأميركيين، لكن يمكن أيضا أن يقوم به الاسرائيليون. 
ولن تتخيلوا أي استقبال كان سينتظرهم عند عودتهم من عملية عنتيبة الجريئة هذه في بوشهر. وأي كارثة تحدث بعد ذلك. لكن الكارثة في اسرائيل هي أن كل ذلك تم منعه. والمتعاونان اسحق هرتسوغ ويائير لبيد جُندا.
الرد الاسرائيلي على الاتفاق النووي يشير الى توجهات نفسية عميقة. أصبحت إسرائيل فاسدة مع السنين، والرأي العام فيها أُجري له غسيل دماغ من خلال دعاية التخويف، لدرجة أن الاتفاق، أي اتفاق، يتم تحقيقه بوساطة جهد دبلوماسي غير عنيف، يعتبر غير شرعي.
تعودنا على التفكير بأن كل شيء يتم بالقوة، فقط بالقوة، ولا يوجد غير استخدام القوة، لدرجة  أننا نسينا فيها أنه يوجد احيانا طرق اخرى. لكنها لم تعد موجودة في مخزوننا الكلامي، وبالتأكيد ليست موجودة في خطط العمل لدينا.
هكذا تكون الحال حينما تعيش دولة على السيف، وتعتقد أنه ليس هناك طريق اخرى. هذه هي الحال حينما يكون خطر، سواء خطر حقيقي أو وهمي، الرد يكون عنيفا دائما كرد أولي ووحيد وليس أخيرا. قائد كتيبة يطلق النار ويقتل راشق الحجارة، واسرائيل التي تريد قصف ايران يتحدثان بالضبط بنفس اللغة، حيث إن هذه اللغة هي الوحيدة في فم اسرائيل، وترفض التسليم بوجود لغات اخرى، وبيقين ترفض محاولة تعلمها – توجد للدولة مشكلة وقد تكون مشكلتها الوجودية: ليس هناك دولة في التاريخ عاشت كل الوقت على سيفها.
تغلفت اسرائيل بالخوف من الكارثة ليس بسبب جوهر الاتفاق مع ايران الذي قرأه القليلون فقط، فقد تصرفت كذلك بسبب تنفيذه. أي اتفاق حتى لو كان اتفاق خضوع من قبل ايران بما في ذلك استبدال علمها بعلم ابيض، سيجد ردا مشابها.
حاولوا الادعاء أن أي قصف لن يحقق فترة 10 – 15 سنة، مثل الاتفاق. 
حاولوا الادعاء أن عودة ايران الى أسرة الشعوب ونموها الاقتصادي هي بشائر جيدة أكثر من دفعها الى الحائط وعزلها. تعتبر هذه الادعاءات غريبة في إسرائيل، هنا جميعهم خبراء، يعرفون أن ايران – على عكس اسرائيل – لا تحترم القرارات الدولية ولا الاتفاقات. اسم اللعبة هو: احذر منه واحذر منه. 
وعندما لا يوجد شيء سوى المخاوف اللانهائية فان كل العالم ضدنا، والعالم كله يعمل على القضاء علينا، لا توجد لديه شؤون اخرى باستثناء تدميرنا – يدور الحديث، اذاً، عن هستيريا في مرحلة متقدمة ومخيفة. كل سائح اسرائيلي يعود من نهاية العالم: قد رأى لاسامية.
الأمر الأكثر خطورة هو أن الرد موحد وهو لا يترك مجالا للأصوات اخرى. أمام ايران أو أمام غزة، إنها اغنية لا تنتهي أبدا: القصف الجوي.

عن «هآرتس»a