شكراً دائماً لمصر

824181528516478.jpg
حجم الخط


يمكن القول دون أي مبالغة أو تهويل، إنه لولا الشقيقة مصر، لكانت محاولة تفجير موكب رئيس الحكومة الدكتور رامي الحمد الله، ومدير عام المخابرات، اللواء ماجد فرج، قبل نحو أربعة شهور، في منتصف آذار الماضي، قد طوت تماما ملف المصالحة الداخلية، وجعلت من طي ملف إنهاء الانقسام بالشكل المرجو أمراً مستحيلاً.
وقد عالج الموقف المصري الحكيم والهادئ الواقعة عبر مستويين: الأول التدخل الفوري والمباشر عبر اللواء عباس كامل، حين ذهب إلى رام الله، من أجل "تطييب خاطر الرئيس" والتقليل من رد الفعل، واحتواء الغضب الرسمي، والذي كان سبباً في أن تكون "الإجراءات" التي اتخذت عقب الواقعة، في أضيق نطاق ممكن، ولعل إطلاق السلطة حينها موقف - إما تسليم كل شيء، أو تحمل مسؤولية كل شيء - كان معبّراً عن مستوى الغضب ذاك، وكان المستوى الثاني للموقف المصري، هو إعادة الطرفين للقاء في القاهرة بعد أن احتاج الأمر هذا الوقت لتهدئة النفوس وكانت القاهرة في نفس الوقت تواجه ترتيبات داخلية، بعد أن ظن الجميع أن لا تلاقيا! 
أيا تكن النتيجة، فإن مجرد جمع طرفي المعادلة السياسية الداخلية مجدداً، يعتبر أمراً إيجابياً، لا نملك أن نقول إزاءه للشقيقة الكبرى، إلا شكراً، أما إذا أدى الأمر إلى إنهاء فوري أو في المدى القريب المنظور للانقسام، فإن ذلك يكون أمراً فائق الدهشة، سيجعل منا نحن الفلسطينيين ندين بالعرفان لمصر. 
يجب قبل الخوض في توقعات ما سينجم عن هذا اللقاء، الإشارة إلى أنه في الوقت الذي انطلقت فيه إجراءات السلطة إثر محاولة اغتيال رئيس الحكومة ومدير المخابرات، كان قطاع غزة على موعد مع مسيرة العودة، حيث جرى احتكاك ساخن مع إسرائيل طوال الأسابيع التي مضت، وما زال حتى الآن، أي أن قطاع غزة، قد مر خلال الشهور الماضية التي تلت الواقعة، في ضائقة صعبة، تصادف مجيء شهر رمضان وحلول الصيف مع انقطاع الكهرباء خلالها، ولولا أن مصر سارعت إلى فتح معبر رفح بشكل يومي طوال تلك الفترة، لانفجر القطاع دون أدنى ريب، وهذا يسجل عرفاناً لمصر التي تحل مكان كل العرب وتقوم بما يجب أن يقوم به العرب والمسلمون جميعاً. 
كذلك لا بد من الإشارة إلى أن مصر تظهر طول بال وصبراً على ملف الانقسام الفلسطيني بطرفيه، ولا تتصرف برد فعل ولا بتطير سياسي، فها هي تشعر حماس بالدفء، رغم جذور حماس الإخوانية، ورغم أن حماس ما زالت على علاقة طيبة مع خصمي مصر في المنطقة (تركيا وقطر)، كذلك هي لم تتصرف معها على طريقة الآخرين الذي لم يروا أبعد من أقدامهم، ممن تحالفوا من قبل مع حماس، من إيران وسورية، إلى قطر وتركيا، أي بفتح الأبواب لثنائية العلاقة بتجاهل السلطة، بل تصر وتحرص دائماً على الحفاظ على شرعية ورسمية السلطة، وما إصرارها على إنجاح المصالحة وإنهاء الانقسام، إلا دليل واضح على أن مصر تحرص على المصالح الوطنية الفلسطينية العليا. 
ويقيناً أن مصر لو أرادت أن تعزز علاقتها مع حماس من وراء ظهر السلطة أو عبر تجاوزها، لحققت ما حلم به الإيرانيون أو القطريون أو الأتراك، فحماس مستعدة فوراً لأن توافق على كل ما تشترطه مصر مقابل فتح المعبر بشكل رسمي، والتعامل مع موظفي حماس على الطرف الآخر بشكل رسمي، أو أن يتبع هذا عقد اتفاقات أمنية، واقتصادية، بينهما، حتى لو كان من نتيجة ذلك أن يكون قطاع غزة بحكم حماس فيه، تابعاً أو حليفاً لطرف وحيد هو مصر، كما كانت حال ألبانيا مع الصين أيام الحرب الباردة! 
إن مصر باحتوائها قطاع غزة، وحمايته من السقوط في اليأس - وكان يمكن أن يحدث انفجار رهيب، لو أن حماس تركت لتذهب بقطاع غزة ضمن مسار مسيرة العودة، حتى الخامس من حزيران الماضي، باقتحام جماهيري للحدود الإسرائيلية - كذلك بجلبها حماس إلى طاولة السلطة، وإن كان في القاهرة، ترد بهذا الشكل أو ذاك على صفقة التصفية الأميركية للقضية الفلسطينية، فهي تعزز من مكانة السلطة السياسية من جهة، ومن جهة ثانية تغلق الباب الموارب الذي تمني واشنطن النفس الدخول عبره لتسويق صفقتها المشؤومة ونقصد به، المعاناة الإنسانية لقطاع غزة.
إحياء المصالحة مجدداً، وفتح نافذة الأمل أمام إنهاء المصالحة، يطرح البديل الوطني لحل مشاكل غزة الإنسانية، مقابل ما تطرحه أميركا وإسرائيل؛ لأنه من شأن عودة التزام السلطة سياسياً وخدماتياً تجاه غزة، كذلك وجودها على معبر رفح، الذي يمكنه أن يحل مشكلته بشكل نهائي، أن يعني أن الجرح قد تم تضميده، وعلى إسرائيل وشريكها في صفقة التصفية الأميركي أن يبحثا عن منفذ آخر، أو أن يفكرا في لعبة أخرى. 
يلاحظ أولاً وقبل كل شيء أن وفد حركة حماس كان وفد الحركة من "الخارج"، رغم أن الملف مدار البحث إنما هو ملف الداخل، وبالتحديد ملف قطاع غزة، كما أنه لم يتضمن إحدى الشخصيتين المقررتين في الحركة، أي إسماعيل هنية ويحيى السنوار، بما يعني أن الوفد لم يذهب بهدف التقدم خطوة حاسمة، خاصة أن تقرير لجنة غزة سيكون هو مدار الحوار، لوضع حد نهائي للعقبات التي اعترضت طريق إنهاء الانقسام وفق تفاهم تشرين الثاني الماضي.
لقاء حماس مع الوزير عباس كامل واللواء أحمد عبد الخالق هو مربط فرس هذه المحطة على طريق المصالحة، أما وفد السلطة وفتح فهو سينتظر - بتقديرنا رد حماس على تقرير اللجنة - وعينه على اجتماع المجلس المركزي، حيث من شأن موقف حماس سابق الذكر أن يحدد مشاركة بعض فصائل (م ت ف) خاصة الشعبية والديمقراطية، في اجتماع المجلس المذكور، فإن شاركت الشعبية، تكون السلطة قد حققت نقطة وإن امتنعت كما فعلت مع الوطني، تظل مؤسسات (م ت ف) في نظر البعض ناقصة وبحاجة إلى تصويب أو إعادة عقد للمؤتمرات خاصة المجلس الوطني.