الإسلام دين المحبّة والأخوة والتعاون فيما يرضي الله تبارك وتعالى. وفي سبيل تحقيق الأخوة وتمتين أواصر الترابط بين أفراد المجتمع، ثمّة آياتٍ قرآنية وأحاديث نبوية شريفة تحذّر من التصرفات التي تجلبُ العداوة والتفرقة والتّباعد، وتدعو إلى مكارم خُلُقيةٍ؛ تنفي عنه كلّ أسباب القطيعة وتربط بين أفراده بروابط متينة.
سُئل النبي (ص) يوماً عن أكثر خصالِ الإسلام نفعاً وخيراً، وكلُّ خصال الإسلام خيرٌ وبرٌّ؛ ولكن منها ما يكون خيرُهُ لفاعلِهِ، ومنها ما يشاركه فيه غيره، وبعضها أعمُّ نفعاً من بعضٍ. وكلُّ خصاله لا يتيسّرُ فعله لكلّ الناس، فالصدقة على المحتاج ممّن هو أكثر حاجة غير ممكنة، والتعليم من الجاهل لا يفيد، والصيام من المريض قد يتعذّر.. فأرشد النبي (ص) السائل نوعين من أنواع الخير.
أما الخصلةُ الأولى فهي إطعامُ الطعام، سواءٌ كان هذا الإطعام بسبب واجبٍ كالنفقة أو تبرعاً كالضيافة والصدقة.
كان العرب في الجاهلية أهل كرمٍ ونجدةٍ. وجاء الإسلام وهم على هذا الخُلُق الكريم، فأقرّهم عليه، ولكن هذّبه ورتّبه، وأرشد إلى آدابٍ وأحكامٍ له. فينبغي أن يكون الإكرام لله تعالى لا لقصد المباهاة والمديح، وحرّم الإيذاء فيه، وأمر بالإكرام من المال الحلال.
وقد استمرت حاجةُ الناس إلى إكرام المسافرين وضيافتهم وإطعامهم دهراً طويلاً، لسبب حاجة التجار للسفر واضطرارهم إلى قطع المسافات الشاسعة، حيث لا يتيسّر في كلّ حينٍ المطعمُ الكافي والمسكنُ الآمن فوجه النبي عليه الصلاة والسلام الأنظار إلى سَدِّ هذه الحاجة التي شاعت في تلك الفترة.
وقد نهى الإسلام المسلم عن الإسراف والترف والتأنُّق المبالغ فيه في الطعام كما لم يفرض على الناس أن يتحمّلوا ما لا يُطيقون في سبيل قرى أضيافهم. وقد يعجز المرء عن النهوض بهذا العمل الجليل؛ فأرشد النبيُّ عليه الصلاة والسلام إلى عملٍ ثانٍ، يندُرُ أن يعجز عنه أحدٌ، وهو أن يُلقي السلام على الناس.
اعتاد الناس إذا تلاقوا أن يُحيّي بعضهم بعضاً. والسلام يجدِّد المودّة ويقويها لأنّ التباعد والانقطاع سببٌ للجفوة، وليس من الخير أن يكون الناس متجافين متباعدين. لقد حضَّ الإسلام على السلام، وبيّن آدابه وأحكامه، بيّن أنّه من المعروف الذي يكتب لفاعله به عملٌ صالحٌ. بل رغَّب أن يبتسم المسلم لأخيه أثناء إلقاء السلام عليه، وأثناء محادثته من باب الخير الذي يكتب لفاعله. قال صلً الله عليه وسلم : "لا تحقرنّ من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاكَ بوجهٍ طَلْقٍ".
وجرت عادةُ الناس أن يَخُصَّ المرء معارفَهُ بالسلام؛ فإن مرّ على من يعرف سلّم عليه، وإن مرّ على من لا يعرف مضى في سبيله. فرغّب الإسلام المرء أن يزيد من دائرة خيره وبرّه بأن ينشر السلام قدر ما يستطيعُ، بأن يُلقيهُ على جميع الناس من يعرف ومن لا يعرف لأنّ السلام على الناس إيناسٌ لهم وإزالةٌ للوحشة تجاهه في نفوسهم، ومرةً بعد مرةً يألفهم ويألفونه فيكون التعارف، وتنمو المودّة.
وتسود في المجتمعات عاداتٌ شتّى يولِّدُ معظمها القطيعة والعزلة والسلبية، وتعزِّزُ نزعة الذاتية والأنانية والسعي لمصلحة الذات. ويَشيعُ كثيراً أنّ البدء بالسلام يُعَدُّ نقيصةً في حقِّ الفرد وتقليلاً من شأن نفسه، وأنّ المرء إذا أراد اكتساب احترام الناس أن لا يبادر إلى إلقاء السلام عليهم بل ينتظر أن يبادروهُ إليه وأن يقتصر دوره على ردِّ السلام؛ وهذا المفهوم أنكرهُ الإسلام واعتبر أنّ المبادرة إلى السلام عملٌ مرغوبٌ فيه وهو دليلٌ على التواضع الذي ينبغي أن يتحلّى به المسلم.
قد يتّخذُ البعض السلام ذريعةً لتمتين العلاقات مع فردٍ ما لتحصيل منفعةٍ ما فيما بعد. وقد أمر الإسلام الفرد أن يكون إلقاؤه للسلام خالصاً لله تبارك وتعالى، وسعياً لتوثيق الروابط بين الأفراد دون أن يكون له مطمحٌ في منفعةٍ عابرة أو مصلحةٍ شخصية يمهِّدُ لتحقيقها؛ ولهذا أرشد النبي عليه الصلاة والسلام المسلم أن يُلقي السلام على الناس كلِّهم، فلا يخصُّ منهم أحداً بسبب قرابةٍ أو مصلحة أو معرفةٍ. فإنّ مَن تجهل اليوم، إذا داوَمتَ على تحيّته صار لك به معرفةً وأصبح أخاً محبّاً.
وقد حذّر النبي عليه الصلاة والسلام من مسلكٍ مذموم حينما يمرّ المرء على قومٍ فيهم مَن يعرف ومَن لا يعرف؛ فيُسلِّم على من يَعرِف ويَدَع الباقين. وقد يكون فيهم من يعرفه ولم يتفطَّن له، فإذا لم يُسلِّم عليه تأذّى ونفر. وقد شاع هذا الخُلُق في زماننا هذا، وهو من علامات ضعف الدين، ووهن الروابط الاجتماعية.
نسأل الله عزّ وجلّ أن يوفّقنا للعمل بكتابه وبهدي نبيه صلً الله عليه وسلم ، وأن يصلحَ ذاتَ بيننا، وأن يربطَ بين قلوبنا برباط الأخوّة والمودّة إنّه سميع مجيب.