مسيرة العودة.. وكيف يمكن تجنب الحرب القادمة؟!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

تقود اتجاهات الرياح الطائرة الورقية الحارقة أو البالون الحارق إلى حيث تريد حركة الريح، إذ لا يمكن التحكم دائماً وفي كل الأوقات بهذه الطائرات الورقية، إلاّ أن الريح لا تتحكم بطائر مذيل بمواد حارقة أو متفجرة، فهو ليس طائرة بلا طيار، بل مجرد طائر يطير حيث يريد، ولا يتحكم أحد أين يطير أو أين يحط بما يحمل، بعد أكثر من مئة يوم على مسيرة العودة، يبدو أن السيطرة قد فقدت من منظميها، الأمر الذي يتطلب مراجعة صريحة لأدائها.
بدأت مسيرة العودة الكبرى، بهدف معلن من قبل منظميها يتمحور حول رسالة إلى المجتمع الدولي، بأن قرارات الأمم المتحدة حول حق العودة ما زالت حبراً على ورق، وأن المجتمع الدولي مسؤول عن إفلات الاحتلال من العقاب وأن الشعب الفلسطيني ما زال كما كان دائماً مصراً على الحصول على هذا الحق، الشهر الأول من مسيرة العودة حقق هذه الرسالة كما تبين من ردود فعل عدة برلمانات ومنظمات حقوقية دولية والأمين العام للأمم المتحدة، في تلك الأثناء تمت إضافة "وكسر الحصار" على شعار مسيرة العودة، وظهر وكأن هذه الإضافة قد "عوّمت" الشعار والهدف من هذه المسيرات.
عدم امتداد مسيرات العودة من غزة إلى مختلف مناطق الوجود الفلسطيني، الضفة الغربية، ومناطق 1948، والشتات الفلسطيني، لم يكن صدفة أو تقصيراً من هذه التجمعات الفلسطينية بقدر ما كان، كما نرى، الشعور بأن استثمار هذا الحراك الشعبي الوطني الفلسطيني، غير ممكن على ضوء الانقسام الفلسطيني، ما يفتح المجال لاستثمار فصائلي فئوي يمكن أن يسهم بتعميق الانقسام بدلاً من الوصول إلى نهايته واستعادة الوحدة الوطنية.
في الشهر الأول لمسيرات العودة الكبرى، ظلت أكثر سلمية وشعبية، مع تنوع أنشطتها الثقافية والاجتماعية والتراثية والرياضية، إلاّ أن تشكيل وحدات الكاوتشوك، ثم وحدات الطائرات الورقية الحارقة، وغيرها من الوحدات التي كانت تهدف إلى تنظيم أفضل لمسيرات العودة، جاءت على حساب طابعها الشعبي وأنشطتها المختلفة، وظهر وكأن فعاليات المسيرة باتت تقتصر على أنشطة وحدات الكاوتشوك، ثم وإلى الآن، على وحدات الطائرات والبالونات الحارقة، وتركزت أنشطة وفعاليات المسيرة على هذا الأمر الذي استطاعت دولة الاحتلال استثماره داخلياً وخارجياً لصالح نواياها العدوانية، ومع تحول نمطية المسيرة وتركيزها على الطائرات والبالونات الحارقة، بدأت نذر حرب إسرائيلية تدق على الأبواب بشكل متسارع، لتخدم بشكل أكثر وضوحاً، القوى الأكثر يمينية وعدوانية وعنصرية في حكومة نتنياهو.
في عملية تقييم جمعتني مع بعض الزملاء والأصدقاء من كتّاب ومحلّلين، استمعت إلى آراء سديدة حول عملية مراجعة لمسيرة العودة، باعتبارها أداة من الأدوات النضالية التي يمكن توظيفها وفقاً للاحتياجات الوطنية الفلسطينية في الظروف الملائمة والمناسبة، وضرورة أن لا نجعل منها أمراً مقدساً لا ينبغي الاقتراب منه، والسؤال الأهم الذي طرح في اطار هذه المراجعة، هل مسيرة العودة، مجرد وسيلة ليس هناك غيرها في الظرف الراهن، باعتبارها وسيلة متاحة، أم هي الوسيلة الأفضل في هذه الظروف؟.
ما هي قواعد الاشتباك مع العدو؟ هل هناك ضرورة في ظل ثورة فلسطينية مقاومة ومسلحة ونضالات شعبية وحراك شبابي، أن تتمحور حول "قواعد اشتباك" في الوقت الذي يجب ألا يلتزم نضالنا الوطني والشعبي بقواعد محددة، إذ أن الضرورة النضالية في ظل هذا الشكل من أشكال المقاومة على اختلافها، تتطلب الغموض والضبابية، وبحيث لا يكتشف العدو قواعد اشتباكك، التي يجب أن تكون أكثر مرونة وبعيدة عن شعارات يمكن أن تتجسد بين دول متحاربة، وهنا، كان يمكن أن يشكل شعار "هدوء مقابل هدوء" أكثر جدوى وأهمية من شعار "قصف مقابل قصف" والذي يوحي بأن هناك مجابهة بين دولتين متحاربتين عظميين!!
وما زلنا في اطار مثل هذه المراجعة، ليس بهدف وقف الحراك الشعبي بل الدعوة إلى إعادة تنظيمه لضمان استمرار مشاغلة الاحتلال بالتوازي مع تجنب منحه القدرة على استثماره، واعتبار هدف تجنب الحرب العدوانية القادمة، الإنجاز الأهم الذي يمكن أن نتوحد من خلفه، والذي يجعلنا أكثر قرباً من تحقيق مصالحة وطنية حقيقية وفاعلة!!