سقطة الآخرين و"رفعة" جبريل

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

متقمصاً ثوب الزعماء الباهرين المتمكنين، السادرين في أوهامهم، والمستحوذين على المعلومات في حاضر دنياهم؛ أتحفنا جبريل الرجوب بتصريح للإعلام الروسي، عن "سقطة" وقع فيها المصريون، عندما قدموا ــ حسب زعمه ــ رعايةً للقاء بين دحلان ومن وصفهم بممثلين عن حماس. وفي صيغة تدوين هذا التصريح، زاد أحد محرري الأخبار، في موقع قناة "روسيا اليوم" باللغة العربية فوصف النائب المنتخب وعضو لجنة فتح المركزية المنتخب، بــ "المنشق عن فتح" وذلك من باب الاستزادة في الإيضاح المُضلل!

لسنا هنا بصدد استذكار شواهد ورطة جبريل رجوب مع الرأي العام الفلسطيني، وهي أدعى الى الشرح بلسانه الذَرِب بدل اختراع السقطات للدول الوازنة والتحدث بجهالة عن وقائع السياسة وخلفياتها الوطنية والاجتماعية والأمنية، واختزال أسبابها وسياقاتها، انسياقاً مع غرائز الكيد وتعميق الخصومة وازدراء الحقائق. فاللقاءات التي حدثت في القاهرة، بين حماس وتيار الإصلاح الداعي الى وحدة حركة فتح؛ ليست لقاءات بين "منشق" عن الحركة ــ حسب وصف محرر موقع "روسيا اليوم" ــ وإنما هي بين ممثلي تيار واسع ووازن، من الوطنيين والفتحاويين والناس المحاصرين في قطاع غزة، وحركة حماس التي تحكمه. وتلك لقاءات لم تكن تتعلق بشخص دحلان وبرغبة موظفين مصريين في مستوى متدنٍ، حسب وصف الرجوب. فقد تمخضت اللقاءات عن نتائج حميدة، على صعيد العلاقة بين مصر وحماس وبددت الشكوك الأمنية وأحدثت انفراجة، وساعدت حماس في قطاع غزة على الأخذ بناصية الحسابات الصحيحة في العلاقة مع الجوار، ومغادرة مربع الإلتزام بأجندة "الإخوان" في الإقليم، دونما ناقة ولا جمل لقطاع غزة في هذه الأجندة. أما الوقائع التي تتسم بالشخصنة والرعونة، وتقتصر على أصحابها وتُعد سقطات، فهي تلك التي من شاكلة التشارك مع الجنرال السعودي أنور عشقي في مقارباته الإسرائيلية الليكودية. فمثل هذه السقطات، تنحصر في شخص جبريل الرجوب وحسب، لكنها تعمق أزمة مناخاته السياسية، وتفضح هزال منظومة التوجيه العام فيها، وتُخل بقواعد الرعاية الرشيدة لسمعة حركة فتح عند الرأي العام الفلسطيني، لا سيما وأن الرجوب،  يُعد في القوقعة، أمين سر اللجنة المركزية لهذه الحركة. ففي أبسط الحسابات، يلتقط الأذكياء والدهاة والبسطاء، من لقطة جبريل مع عشقي والليكوديين، أكثر النكات مرارة، إذ تتبدى حركة تحرر وطني، وسيطاً حميداً، بين عدوها وطامح عربي الى وصال تطبيعي والى وداد عميق معه!

ليس في وسعنا أن نجزم، أن الوهم والشطط هما دافع الرجوب الى مثل هذه التصريحات. فأخونا هذا، يعتقد أنه ذكي وبارع، استطاع أن ينقل رهانه الى قطر بديلاً عن المساحات المغلقة أمامه بسبب ضلوعه في تسميم العلاقة بين رام الله والقاهرة. وجبريل أصلاً، لم يتحصل من بلدته على أصوات الناس ولم ينجح في انتخابات المجلس التشريعي الأخيرة، لذا بات يراهن عن منظومة سلطوية بائسة لكي تمنحه دوراً وشاشات تلفزة. وبحكم توطن رموز "الإخوان" في قطر وتركيا، وهؤلاء أغضبهم التفاهم بين النظام في مصر وحماس في غزة، فإن جبريل يحاول تعزيز رصيده في الهامش المتاح، لا سيما وأن الدوحة وأنقرة، تستبسلان لمنع المصريين من أن ينجحوا في تحقيق المصالحة الفلسطينية، إذ يؤلمهم أن تنجح مصر على هذا الصعيد!

كلام جبريل يدل على بؤس حاله. فلا الذي حدث في القاهرة نزوة، ولا القاهرة تجافي الفتحاويين الوطنيين من تيار الإصلاح، ولا التيار الإصلاحي شخص واحد مهما كان قوياً، ولا الشخص منشقاً عن حركة فتح، وإنما هو واحد ممن كثيرين لفظتهم القوقعة، والفارق بين واحدهم ودحلان، هو أن الأولين لا حول لهم ولا قوة، بينما الثاني له هوامشه الواسعة ولديه القدرة على جمع المظلومين. أما حكاية السقطة التي يخترعها الرجوب، فهي من نوع الكوميديا، لا سيما عندما تتبدى "رفعة" المخترع بل و"علو شأن" حركة فتح في الزمن العباسي!