المقاربة الجديدة للمصالحة

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

نؤيد الصيغ المطروحة لتحقيق المصالحة وإعادة الوحدة للنظام السياسي الفلسطيني، على الرغم من كون الصيغ الجديدة المطروحة راهناً، والمتعلقة بكيفية البدء في عملية مصالحة؛ تتسم بالعمومية. وفي وسعنا أن نعتبر المقاربة الجديدة، صالحة لإحراز الممكن المتاح الذي يتطلب البناء عليه. ويظل اتفاق 2011 هو الأكثر قرباً من سمة التفصيل والأبعد قليلاً عن العمومية، وهو الذي يصلح كبداية معقولة في حال تنفيذه بشجاعة وأمانة، دون لف أو دوران، لا سيما وأن ما جاء في حيثياته، يشتمل على عنصر العودة الى الشعب من خلال انتخابات عامة. ونخشى أن تكون الصيغة الراهنة أكثر ميلاً للمحاصصة بين سلطتين أرهقتا الشعب الفلسطيني، وعندئذ سيكون الفشل محققاً.

اتفاق 2011 يُذْكر بإيجابية في تصريحات ممثلي السلطة وحماس، بل يشترطه كل طرف على الآخر. لكن التطبيق الفعلي لهذا الاتفاق فيه من المحددات الناظمة لعمل النظام الفلسطيني، ما لا يروق للطرفين بل ما يصعب على كلٍ منهما الالتزام به، على اعتبار أن سلطتي رام الله وغزة، صاحبتا تجربتي حكم قهريتين وإستعلائيتين!.

إن متطلبات المصالحة، لا تقتصر على تلبية طلب حماس استيعاب موظفيها وطلب السلطة التمكن من الجباية وحفظ النظام العام. فلدينا مسألة القرارات التي انتهكت القانون، ومنهجية الأجهزة الأمنية، ورفع المظالم وتعويض أصحاب المظلمات، وإعادة الرواتب المقطوعة، ومنها رواتب متقاعدين سلبت أموالهم المستحقة لهم عن سنوات خدمتهم. وهذه كلها تتطلب التوافق على نظام سياسي محايد بين الأطياف ــ كما هي طبائع الحكم في نظرية الدولة ــ يكرس حقوق المواطنة، ويُعلي من شأن القانون الذي تنحني له كل الهامات. فعلى هذا الصعيد، ليست مشكلة الانقسام غزاوية وحسب، فلدينا مشكلة عسيرة في الضفة، التي هي أحوج الى إطلاق الحريات وفق القانون الأساسي الذي تمثله الوثيقة الدستورية، وهو مرجعية العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، في كل أراضي السلطة حسب خارطة التسوية!

ربما يكون التجاوز، عن اشتراطات عباس بشأن سلاح المقاومة، والتوجه الى تأطيره ووصله بالمستوى السياسي؛ هو المتغير الجديد الحميد في المقاربة الراهنة للمصالحة. وهذا هو المنطقي، لأن الأجدر والأصوب، إن أراد الطرفان الأخذ بناصية الرشد، أن يطويا مرحلة الجور والدجل والوحل، الذي طال أمدها واتسعت مساحتها، وأضعفت الموقف الوطني الفلسطيني وأحبطت الشعب. فلا الذين يطالبون بالمسؤولية عن النظام العام في غزة أصاب تجربة عادلة ومحترمة، ولا المُطالبين بالتسليم أصحاب مثل هذه التجربة. فالطرفان متجاوزان للنظام العام وللقانون، وهذا هو الذي  ينبغي إنهاءه مرة والى الأبد. فقد سقطت أحلام أصحاب المنهجيتين اللتين تتوخيان قيام الدولة الرصينة واستمرار المقاومة الفاعلة. الأولى جرى تجويف مؤسساتها وتكريس سلطة الفرد فيها وعشش فيها الفساد، والثانية وصلت متأخرة الى قناعة بأن البلالين على ضآلتها أصبحت ممنوعة عليها، وأن المتاح للطرفين      وللشعب الفلسطيني، هو استعادة حيوية الشعب وتماسكه وإحساسه بالحرية والكرامة في الداخل الفلسطيني، لكي يشكل عنصر الاستعصاء النافذ الذي لا يُقهر، في وجه الإحتلال الإسرائيلي!

حتى الآن، ليس في وسعنا أن نتفاءل في مناخات الحديث عن مقاربة التصالح، حتى وإن وافق الطرفان على المقترحات المصرية ثم نجحت افتتاحية المصالحة ومناسبة الإعلان عنها، التي تنقل تلفزيونياً عبر الهواء، كما حدث في مرات عديدة سابقة. فما نخشاه هو الذهنية التي نعرفها وتشبث الأفراد النافذين بأدوارهم، دونما لحظة تفكير برصيدهم من الصدقية عند الشعب، أو رصيدهم من المنجزات على أي صعيد!