ترامب في جيب بوتين"؟

102891531832457.jpg
حجم الخط

 

يصعب أن يكون هناك حالة شبيهة بما بدت عليه الأمور بعد نهاية لقاء الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، الاثنين الفائت، فالأمر لم يعد في مجال السياسة والعلاقات الدولية والمصالح، بل في إطار الاستخبارات والأمن، والمواقف والمصالح الشخصية، والتناقض العلني الخارجي بين رئيس ومخابراته.

بدل أن تكون القضايا التي يتركز عليها الاهتمام، كيف يمكن تسوية مواضيع سورية وإيران، وجزيرة القرم، فإنّ المؤتمر الصحفي، والتغطيات حول قمة الرئيسين التي عقدت في العاصمة الفنلدنية، هلسينكي، تركزت حول اتهام المخابرات الأميركية الرسمي والعلني، للروس، والمرسل للرئيس ترامب مدعوماً بحقائق وشواهد، باختراق وثائق السياسيين الأميركيين، عبر الإنترنت، فضلا عن تدخلهم في الانتخابات الرئاسية، ولكن بدل تبني ترامب موقف دولته وأجهزتها، نصّب نفسه محامياً عن بوتين وروسيا. وطُرحت أفكار غريبة، منها قول بوتين إن ترامب طرح فكرة أن المحققين الأميركيين بالاختراق الروسي يمكن لهم القدوم للتحقيق في هذه الاتهامات مع الأشخاص المعنيين داخل روسيا، "على أن يكون ممكناً للروس الذهاب للتحقيق مع عملاء الاستخبارات الأميركية الذين تشتبه موسكو بأنّهم نفذوا جرائم على التراب الروسي".

في الرد على الأسئلة عن كل التقارير الاستخباراتية والتحقيقات الأميركية الرسمية عن التدخل الروسي، قال ترامب "يقولون إنّها روسيا (...) لدي اليوم الرئيس الروسي، لقد قال للتو إنها ليست روسيا". وقال "كان الرئيس بوتين قوياً وشديداً جداً في إنكاره".

أخرجت إجابات ترامب المسؤولين الأمنيين والسياسيين الأميركيين، عن طورهم، لدرجة كتابة مدير الاستخبارات الأميركية السابق (CIA)، جون برينان، في تغريدة على "تويتر" أنّ ترامب أثبتَ "أنّه كُلّياً في جيب بوتين". وتعليقاته "تصل إلى درجة الخيانة". بل إنّ عضو الحزب الجمهوري (الذي ينتمي له ترامب)، جون مكين، أحد أهم أعضاء مجلس الشيوخ، ومرشح الرئاسة السابق، وصف قمة هلسنكي بأنها "خطأ مأساوي"، وأن تصريحات ترامب "هي أكثر أداء مخزٍ لرئيس أميركي تختزنه الذاكرة".

ترامب بدل توقفه عند السياسات في سورية وإيران وغيرها قال في تغريدات "تويتر" إنّه يعتقد أنّ "الغباء والحمق الأميركيين"، سبب الخلاف مع موسكو. ومما زاد المشهد غرابة أنّ بوتين وصل متأخراً إلى هلسنكي تاركاً ترامب ينتظره وحيداً.

أعلن الرئيسان أنهما ناقشا سورية، ونزع السلاح النووي، والإرهاب، ولكن لم يتم إعلان أي قرار أو شيء واضح بشأن هذه الملفات. بل بدا الأمر أن واشنطن بلا موقف أو دور، مثلا في موضوع سورية يقول بوتين "سنبقى نعمل وفق صيغة أستانا، وأقصد روسيا، وتركيا، وإيران، والتي أبلغت الرئيس عنها".

ليس طبيعياً سؤال صحفي للرئيس الروسي، إذا كان يمتلك مواد عن ترامب وعائلته "لمساومته" عليها.

ما حدث في هذه القمة وما أعقبها لن ينسى بسهولة، أخطر ما فيه التركيز على قضايا شكلية وآنية، بعيداً عن الاستراتيجيات. وأنّ هناك ممارسة لرئيس أميركي لا يقدم عليها حتى رئيس دول في العالم الثالث، من أن ينصب نفسه محامياً لرئيس بلد آخر تتهمه أجهزة الأمن في بلد هذا الرئيس (المحامي)، ومن دون أن يوضح حقاً الفائدة المتوخاة من أدائه المتراخي مع موسكو.

لا يمكن الآن الحديث عن عملية صناعة قرار في الولايات المتحدة الأميركية، بالطريقة التقليدية، من حيث وجود نظريات تحكم هذه القرارات، ومن حيث وجود مؤسسات دولة عميقة، تناقش توازن البدائل، وتشارك الرئيس في صناعة قراراته. هناك الآن رئيس لديه هوس بوسائل التواصل الاجتماعي، وبإعجاب شرائح شعبوية به، وهو أيضاً لديه مصالح أو مخاوف عائلية وشخصية، وتتدخل العائلة في صنع القرار والمناصب على نحو أيضاً غير معهود أميركياً.

في المواقف من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وإيران، من المفهوم أن ضغوط اللوبي الصهيوني هي صانع القرارات الأول في هذا الملف (إذا إسرائيل هي صانع قرار)، وهذا مفهوم في ضوء قوة هذا اللوبي والعلاقة العضوية الإسرائيلية الأميركية، أماّ الموضوع الروسي فهو السر الذي يحتاج لإجابة.

السؤال الذي قد تتضح إجابته قريبا هل ستسكت النخب السياسية الأميركية على كل هذا، أم ستنتفض للتقليص من أفعال ترامب والتحضير لرئيس بديل في أقرب وقت ممكن، وبحد أعلى الانتخابات المقبلة؟ أم أن الأمور آخذة بالتغير في الولايات المتحدة؟