غزة على شفا الحرب

a655d6784b87cfbddcec71d2f4ff3be5.jpg
حجم الخط

 

منذ أكثر من عشر سنين وقطاع غزة يشكل خاصرة فلسطينية ضعيفة، تثير غريزة وشهوة المتطرفين الإسرائيليين الجالسين على مقاعد الحكم منذ سنوات، بحيث أنهم ارتكبوا خلال العشر سنوات التي مضت ثلاث حروب طاحنة ضدها، إضافة إلى الإبقاء على حالة التوتر وعلى مستوى ثابت من الاغتيال والقصف والتهديد والحصار الدائم طوال الوقت.
ونحن حين نقول إن غزة تمثل الخاصرة الفلسطينية الضعيفة لا نقصد الضعف العسكري أو حتى ضعف إرادة المواجهة، بل على العكس من ذلك، يتحلى المواطنون وكذلك النخب من المقاتلين بأعلى درجات الاستعداد للتضحية، كما أن غزة فيها سلاح غير موجود في الضفة الغربية مثلاً، لكننا قصدنا، أن حالة الانقسام التي دفعت بقطاع غزة في ظل حكم "حماس" إلى العزلة الداخلية والخارجية، كذلك كون حكم "حماس" غير شرعي وغير معترف به من قبل أحد، ويزيد من ذلك إطلاق بعض قياداتها منذ وقت طويل لبعض من الشعارات الرعناء، كل ذلك منح إسرائيل ورقة أو أسباباً لفرض الحصار أولاً ومن ثم لشن الحروب عليها ثانياً.
المهم الآن وبعد كل هذه السنوات من الحصار التام والعزلة المطبقة، يمكن القول دون تردد إن غزة قد وصلت إلى حدود الإنهاك، وباتت على مشارف الانهيار والهلاك، ولا حل لها، قبل أن تتحول إلى ساحة حرب محروقة تماماً، إلا بالإعلان الفوري عن إنهاء الانقسام، لرد احتمال الحرب الإسرائيلية التي تلوح في الأفق، ومن ثم لعودة الروح الى غزة، على طريق إعادة الحياة فيها مجدداً.
منذ أربعة شهور مضت، أي منذ لاحت تباشير الصيف، وبالتحديد منذ أعلن عن مسيرة العودة، بدأت حرارة الحدود بين غزة وإسرائيل بالارتفاع، وأسبوعاً وراء آخر، كان الشهداء يرتقون ويسقط الجرحى، رغم أن الاحتجاج الفلسطيني كان شعبياً وكان سلمياً تماماً، لكن إسرائيل بحكومتها المتعطشة للدماء، لا تحتاج إلى الكثير من "الاستفزاز" حتى تقوم بارتكاب جرائمها بحق البشر، وهكذا وبشكل متتابع قضى أكثر من مئة وخمسين شهيداً وأقل بقليل من عشرين ألف جريح.
لكن إسرائيل التي تبدو بحاجة الآن إلى حدث سياسي دراماتيكي، تريد حرباً قاصمة، تعيد خلط الأوراق بعد انسداد الأفق أمام "صفقة القرن"، وأمام قدرتها على رسم حدود المجابهة العسكرية في الشمال، التي اصطدمت بالحاجز الروسي، الذي جلس أمامها على طاولة التفاوض فيما يخص الملف السوري حتى بمحتواه الإيراني، بهدف إجبار القيادة الفلسطينية على الدخول في مربع التعاطي أو التعامل مع صفقة ترامب، ولتمرير جملة القرارات والإجراءات الأخيرة، ومنها إعلان ضم الضفة الغربية رسمياً.
كذلك تريد الحكومة الإسرائيلية أن تتخلص من الضغط الداخلي الخاص بملف الأسرى والمفقودين من جنودها ومواطنيها في غزة، والذين قدمت من أجل استعادتهم عروضاً إنسانية تعذّر على "حماس" قبولها.
تعلن إسرائيل بوضح وعلناً، بأنها تريد حرباً مع إيران وحلفائها العسكريين في سورية ولبنان والعراق، وحتى تبدأ حرباً إقليمية بمفردها أو جارّةً معها أميركا وربما آخرين أيضاً، فإن غزة يمكن أن تكون أول الحرب.
 يحدث هذا، رغم أن "حماس" أظهرت منذ آخر آذار الماضي تعقلاً حين اقتربت من حدود التماس مع إسرائيل، اتضح بشكل جلي، حين ذهب رئيسها إسماعيل هنية إلى اقرب نقطة حدودية ليعلن مع صور مارتن لوثر كينغ ونيلسون مانديلا والمهاتما غاندي، سلمية وشعبية الاحتجاج على الحصار، إلا أن إسرائيل التي كانت تبحث عن أي سبب، مهما كان واهياً لممارسة لعبة القتل، وجدت ضالتها في قص الأسلاك الحدودية ومحاولة بعض الشبان اختراق حدود الحصار، وأطلقت النار خاصة في يوم ذكرى النكبة.
وبعد العودة إلى ضبط إيقاع المسيرة، وجدت إسرائيل في الطائرات الورقية ثم في البالونات الحارقة حجة أخرى لإطلاق قذائف القتل وتحليق الطائرات الحربية لنشر الموت والدمار في جسد غزة المثخن بالجراح والتعذيب والإرهاق.
وقد وصل الأمر مع الرد الطبيعي الفلسطيني بإطلاق الصواريخ محلية التصنيع، إلى حافة المواجهة العسكرية أو الحرب المعلنة، لولا التدخل الخارجي، لكن إسرائيل تهدأ في لحظة على مضض، فيما شهيتها المفتوحة للحرب تبقى تضغط عليها، لذا فإنها، توافق في لحظة على تهدئة مقابل تهدئة، لكنها تريدها من الجانب الفلسطيني فقط .
وما إقدام إسرائيل أمس وأول من أمس على قتل المواطنين الفلسطينيين في أكثر من مناسبة وواقعة إلا تأكيد على أنها تنوي حقا شن الحرب، وأنها ترى في كل الظروف الإقليمية ما يشجعها على ذلك.
وحيث أنه لوحظ بأن البالونات الحارقة قد توقفت، فإن إقدام إسرائيل عشية اليوم الجمعة وهي تعرف بأن يوم الجمعة عادة ما يكون مناسبة للنفير الفلسطيني، على اغتيال ثلاثة شبان شرق مدينة غزة عبر القصف المدفعي، إلا محاولة لجر أهل غزة للحرب المفتوحة، رغم كل ما تعلنه عكس نيتها وذلك بهدف التضليل.
غزة الجزء الأصيل والعزيز جداً من الوطن الفلسطيني، تظهر بشكل جلي وواضح، بأنه لا حياة لها دون الكل الوطني، ولا حياة لها مع الانقسام الداخلي، وأنها من غير الوحدة الوطنية تذوي وتموت، لذا فلابد من الإسراع فورا، من أجل احتواء غزة في آخر لحظة، قبل أن يفقد الوطن الفلسطيني أغلى ما لديه بعد القدس.