خطة سياسية لغزة..!

أكرم عطا الله.jpg
حجم الخط

عاد نتنياهو يتحدث عن حلول سياسية لغزة، وهو حديث لم ينقطع طوال سنوات حول غزة التي تسببت بكل هذا الصداع لدولة قامت على أنقاض شعب لم يكف عن المشاكسة، وشاء القدر أن تبقى غزة المدينة الساحلية التي لم تحتلها إسرائيل لتعيد بعث الهوية الوطنية، فغزة التي يزيد عدد سكانها على ثلثي اللاجئين الحالمين بالعودة والاستقلال وما زالوا يحلمون ويعبرون عن حلمهم، ما زالت إسرائيل تبحث عن حلول لها.. حلول لهذا الصداع المزمن منذ سبعة عقود.
أرادت إسرائيل إخراج غزة من الصراع ولم تكن بريئة مما حدث بين الفلسطينيين قبل أحد عشر عاماً، لأن في هذا كانت إحدى وسائل فصل غزة وإخراجها ثم محاصرتها في أقسى حصار عرفته البشرية، في محاولة لمسح ذاكرتها وهويتها الوطنية. لكن غزة قدّمت هذا العام نموذجاً حياً لإرثها الوطني حين ظهرت كواحدة من أبرز تجمعات الشعب الفلسطيني وأكثرها تمرداً عندما تصدرت وتصدت بلحمها العاري في الذكرى السبعين للنكبة ويوم أن قررت الولايات المتحدة نقل سفارتها إلى القدس.
هي غزة التي لن تكف عن التعبير عن روحها ولديها فائض الدم الذي تعلن به عن نفسها، ورغم صغر مساحتها إلا أنها تملأ العالم ضجيجاً وتتصدر وسائل الإعلام.. غزة أزمة يبحث الجميع عن حلول لها.. مجلس الأمن والأمم المتحدة والعرب وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، وباتت إسرائيل صانعة الأزمة بغزة آخر الباحثين عن حل، عندما أدركت أن كل ما فعلته يرتد عليها؛ لأن ساعة الانفجار تتكتك وهي منذ أشهر تنتشر بما تملك من إرادة على الحدود لتعيد رسم المشهد على حقيقته بين محتل وشعب تحت الاحتلال، وفي الأيام الأخيرة بدا أن هناك خسائر تضع حكومة نتنياهو في وضع حرج.
لم يكن قرار وكالة الغوث بإقالة حوالى ألف موظف من غزة بعيداً عن الضغط الذي تتعرض له غزة. وإذا كانت تلك المؤسسة الدولية تتعرض لأزمة مالية - وهناك أزمة حقيقية - فلماذا لا يتم سوى فصل الموظفين في غزة دون مناطق أخرى؟ ولم يكن قرار السلطة بتقليص الرواتب بعيداً عن ذلك وهو قرار خاطئ إذا ما أريد لغزة أن تصمد، وإذا كانت السلطة تتعرض لأزمة مالية فهناك موظفو سلطة في الضفة الغربية، لكن الأهم أن كل هذا الضغط يندفع باتجاه إسرائيل صانعة الأزمة والتي بدأت في الأسابيع الأخيرة تبحث عن حل.
وما بين حل يتمّم ما بدأت به وحل ينهي الأزمة القائمة، جرى ما يشبه الاضطراب في النظرة الإسرائيلية تجاه غزة في الأسابيع الأخيرة. ومن استمع لتصريحات المسؤولين الإسرائيليين يمكن أن يلمس عدداً من العروض والاقتراحات غير المنسجمة، والتي تتحدث عن حلول لغزة، لكن علينا ألا ننخدع معتقدين أن إسرائيل حرفت مسارها أو غيرت من رؤيتها الإستراتيجية لغزة والضفة، ولكن ما فعلته غزة في الآونة الأخيرة هو ما يشبه الاعتراض على المسار وليس تعطيله كلياً.
تتحدث وسائل الإعلام عن أن نتنياهو أبلغ الكابينيت أن لديه خطة سياسية ونهائية لغزة. في الأمر ما يثير كثيراً من القلق فلسطينياً في ظل التلكؤ المتعمد للمصالحة وتعطيل مسارها والإبقاء على الانقسام قائماً، حتى بعد أن تراءى الخطر للجميع. هذا يعني أن إسرائيل لم تعد تفكر بحل شامل مع الفلسطينيين، بل إنها تنتقل للحل الجزئي المرسوم مسبقاً بفصل غزة والتخلص منها والسيطرة على الضفة، وهذه الأخيرة كانت قد سقطت في تصريح لرئيس حزب البيت اليهودي نفتالي بينيت عندما تحدث عن فرض السيادة الإسرائيلية علي الضفة الغربية بعد أن فرضتها على القدس.
وهنا الرؤية تصبح مدعاة للتفكير لأن نتنياهو يعود للحديث عن عودة السلطة لغزة، فهل ما فعلته غزة على امتداد الأشهر الماضية جعل لدى إسرائيل قناعة بضرورة عودة السلطة بعد أن كانت هي صاحبة مشروع حكمين فلسطينيين للضفة وغزة أي مشروع الانقسام أم أن عودة السلطة تأتي في إطار الرؤية الإسرائيلية وهي نقل السلطة إلى غزة وإنهاء وجودها في الضفة؟
بكل الظروف لقد أضعفت حكومات نتنياهو حكم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية إلى أبعد الحدود، ولم تعد السلطة تشكل نداً سياسياً تشعر تل أبيب بأن عليها دفع استحقاقات سياسية لها في إطار مفاوضات أو عملية سياسية توقفت منذ أربع سنوات. وبالتالي فإن وجود السلطة حتى في قطاع غزة ربما يريح إسرائيل من هذا الصراع، وهنا تتحدث وسائل الإعلام عن أن إسرائيل لم تعد تعترض على المصالحة الفلسطينية ورفعت الفيتو الذي كانت تضعه، وهنا السؤال الجارح: هل يعني أن المصالحة ستتم لأن إسرائيل تريدها؟
نحن أكثر ضعفاً وأكثر انكشافاً وبات من الواضح أننا فقدنا زمام المبادرة في إطار صراعاتنا الداخلية التي لا تنتهي، والتي أصبحت الشغل الشاغل للسياسيين الفلسطينيين، وأحدثت ما يكفي من كي الوعي الوطني لدى كل مواطن فلسطيني يرى ويشاهد ويسمع ما يكفي من صراعات كلها من أجل السلطة وعلى السلطة، وتستخدم فيها أسوأ أنواع الأسلحة وأقلها أخلاقاً.
يفترض على الفلسطينيين أخذ مصيرهم بأيديهم؛ أمام ما يحاك من مؤامرات بات واضحاً أن الجميع يعمل على تنفيذها. كل الأطراف دون استثناء تشعر بأن تلك لحظة مناسبة لإغلاق الملف وإنهاء هذا الصداع لدرجة يبدو فيها الفلسطيني مجرداً من الأصدقاء يقاتل وحيداً. المسألة بحاجة إلى قرار فلسطيني بإعادة بناء النظام السياسي وفقاً للاعتبارات المعروفة. لا شيء غير العودة للشعب الذي يملك فائض الإرادة بالانتخابات وهذا يقال بتكرار ممل، ولكن إسرائيل ستعطل هذا القرار عندما تمنع الانتخابات في القدس وهنا معضلة حتى أمام إعادة البناء لإبقاء الوضع كما هو عليه، ولكن على الفلسطينيين عدم الوقوف في مكانهم. المطلوب هو حركة اعتراضية لقلب الطاولة.. وهذا ممكن لكن الإرادة منعدمة..!