اللعب بالبيضة والحجر

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

لم يكن إعفاء تيسير خالد، من مسؤوليته عن دائرة شؤون المغتربين، بسبب أمرٍ ذي علاقة بأدائه في هذه الدائرة، وإنما بسبب تصريحات تيسير خالد السياسية،  وبعض مناكفاته البسيطة في اجتماعات اللجنة التنفيذية. فقد باتت هذه اللجنة، وإطار المنظمة الوسيط، ومجلسنا الوطني، محرومة من الهامش الضيق الذي كان متاحاً، لحرية الرأي وإسماع الصوت في الحد الأدنى!

أُسندت الدائرة الى د. نبيل شعت، الموصوف في جلسات عباس الخاصة بالمولع بالسفر، والعائد منه، في كل مرة، بحديث عن لقاءات ذات نتائج وهمية. ومعلوم أن الوضع الآن، بالنسبة لنبيل شعت، لا يسمح بوجود من يسمعه, وكل ما في الأمر أن عباس يريد إشغال واحد ممن كانوا مقربين من الشهيد الباسل والزعيم ياسر عرفات، بسفريات تبعده عن ناظره، ولا تبعده عن أجوائه ومواقفه، لا سيما وأن الرجل يُلح في طلب أية حيثية من وضع بلا حيثيات. فقد نزعت منه مفوضية العلاقات الدولية، لكي لا يوازي وزارة الشؤون الخارجية، التي أضيفت اليها مسؤولية وصفية تتعلق بالمغتربين.

أما المُغتربون أنفسهم، فإنهم خارج حسبة كل هذه التكليفات والمسميات. وللإنصاف كان تيسير خالد يحاول التواصل معهم، لكن الرجل لا يملك تغطية اية فعالية أو تكريس هيكلية للعمل الشعبي الفلسطيني في الخارج، بسبب رداءة السياسة وضلال الحكم الهانيء الذي يمشط شعره ويتزين، ولا يفكر في شعب ولا في أمة. بل إن وصف الشعب الفلسطيني في الشتات، بالمغتربين، ينزع من الشتات فحواه التاريخي والسياسي، وهي تسمية خاطئة. فالمغتربون في الأصل، لم يغتربوا طلباً للعمل، إذ في فصول الرواية الفلسطينية، يتنوع المغتربون، فمنهم من هُجِّروا من الوطن، وكانوا في العام 1948 يزيدون قليلاً عن 800 ألف فلسطيني اصبحوا الآن ملايين، ومنهم من خرج لأسباب قهرية من بينها تقطع السُبل بين الضفتين وبين العوائل بعد حرب 1967 إذ خرج قبل نهاية ذلك العام 25% من سكان الضفة و23% من سكان غزة، حتى بات الشعب الفلسطيني في المهاجر، ضعف عدد الشعب الفلسطيني في الداخل!

الشتات الفلسطيني، كان له سياقه، والمغتربون اللبنانيون كان لهم سياقهم عندما بدأوا غربتهم بفعل الحروب الطائفية منذ منتصف القرن التاسع عشر، وبتأثير وقائع الحقبة العثمانية بالنسبة للمسيحيين. لكن الحكومات المتعاقبة في لبنان، بعد الإستقلال، على الرغم من كل ما كان فيها من هشاشة، أولت عناية كبيرة بالمغتربين، وأطلقت عليهم الصحافة لقب "لبنان الآخر" فأصبحت لهم أنديتهم ومنابرهم وجمعياتهم الخيرية التي رفدت المجتمع اللبناني في الوطن، بالكثير من الفوائد!

الأستاذ المرحوم أحمد الشقيري، عندما وضع هيكلية منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1964 كانت له ثقافة موسوعية وخبرة بتاريخ الحركة الصهيونية وبآليات عملها هي وسلطة الانتداب البريطاني، التي كان يترافع أمام محاكمها للدفاع عن الثوار. بل كان يعرف اليهود والإنجليز والتبشيريين البروتستانت عن قرب. فقد درس الرجل المرحلة التمهيدية للمستوى الثانوي، في مدرسة صهيون التي أسسها في العهد العثماني، في موضع ملاصق لسور الأقصى؛ صموئيل غوبات مطران الإنجليز في القدس. وذات مرة، تحدث الشقيري عن مدرسته، ووصف مكر ومثابرة الصهيونية والمجموعات التبشيرية، وكيف أنهم فتحوا المجال للتلامذة الفقراء النابغين للدراسة بالمجان، فأصبح بعضهم فيما بعد من أعلام الفكر والسياسة في فلسطين، حسب ما ذكر المؤرخ عارف العارف. لكن الحكم الفلسطيني المتردي والمترف على حسب خبز الناس، وبعد أكثر من قرن على تجربة المدرسة، يجافي تلامذة القدس المرابطبين مع ذويهم ويعانون من ثقل كلفة الدراسة خارج منظومة إسرائيل التعليمية. بل إن المرحلة الضالة، انتجت تسميات عجيبة غريبة، مثل "تحرير الشهادات" في غزة. أما دائرة شؤون المغتربين، فلا تفكر في تبني فصل دراسي لتعليم أطفالنا في المهاجر لغتهم العربية. المسألة عند عباس، هي من يأخذ ماذا من الدوائر، على قاعدة الطاعة والولاء!

يجدر التذكير، أن الشقيري تفاءل بالمنظمة عندما نشأت، وأطلق على دوائرها المهمة، الأسماء نفسها التي أطلقها الصهيونيون مبكراً، على دوائر الوكالة اليهودية، ولكن في الاتجاه التاريخي المضاد،  كـ "الدائرة السياسية" و"الصندوق القومي"!

إن كنا نعلم لماذا أقصي تيسير خالد، عن دائرة شؤون المغتربين العباسية المجوفة من الحيثيات، فلا نعلم لون الخط الفاصل بين إدارة المغتربين في وزارة الخارجية ودائرة المغتربين في المنظمة. إن مانح الألقاب نفسه، أعطى للجهتين المسؤولية الصورية بلا اعتمادات مالية تساعدهما على القيام بأي عمل فعلي. وكان رئيس السلطة، ينازع الأولى في شخص تيسير خالد، وبورقة الثانية. والآن يرمي نبيل شعت المخضرم في السياسة ولغتها ورطانتها، الى المغتربين، لكي يحضر بقوة، فاقدو تعليم وفاقدو ثقافة في ملعب السياسة. فمانح الألقاب يلعب بالبيضة والحجر!