دفاعاً عن حقوق المرضى

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

سأدافع دون فرامل عن حقوق المرضى إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم، حيث لم يعد في الوطن مجال لا لمجاملة القطاع الصحي ولا لمجاملة شركات التأمين على حساب المرضى الذين لا يكفيهم مرضهم بل باتوا مطالبين بدفع أموال طائلة ضريبة لعلاجهم، في مجتمع يصنف في الأمم المتحدة من "الأقل نموا" بالتالي تتراكم العوائق الاقتصادية والاجتماعية إضافة إلى بطش وصلف الاحتلال ومستوطنيه وإثاره النفسية التي تفاقم الأمراض بأنواعها.
كنت وما زلت مدافعا بعنف عن المستشفيات الخاصة والأهلية التي كان لها دور ومكانة في ظل الاحتلال وبصمات لا تنسى، واستمر هذا الدور خصوصا في ضوء ترك الاحتلال لقطاع صحي حكومي مدمر، وارتفع الاستثمار في هذا القطاع بمستشفيات ومراكز صحية خاصة أثبتت حضورها، ولكن هذا لا يقلل من شأن حقوق المرضى والدفاع عنها حين تمس أو يقصر فيها.
لقد بالغت المستشفيات الخاصة من جهة ونقابة الأطباء من جهة أخرى بتضخيم دورها وصولا للتقديس، فباتت المستشفيات والنقابة تعتقد أنها تمتلك حق النقض لأي قرار حكومي باتجاه القطاع الصحي سواء قانون المسؤولية الطبية لمعالجة الأخطاء الطبية والإهمال الطبي وإيجاد علاج علمي له، فهب الطرفان يرفضان ويقدمان نفسيهما على انهما حريصان على الأطباء والطواقم الطبية، وتلك مبالغة غير مقبولة، وبات بإمكانهم التحقق من نتائج لجان التحقيق في الأخطاء الطبية والحالات المرضية والمطالبة بالمشاركة في إعادة ديباجتها رغم انهم طرف أصيل في القضية التي حقق فيها.
وزير الصحة في هذه المعمعة الغائب الحاضر، فهو مشغول بكلية الطب الحكومية في الخليل وإنجاحها وكأن رفض المستشفيات الخاصة والأهلية لاستقبال مرضى التأمين الصحي للشركات الخاصة أو الذين يديرون محفظتهم التأمينية بشكل مستقل ليس شأنا من شؤون وزارة الصحة، وطبعا سيخرج علينا الناطق بلسان الوزارة ويقول إن الوزارة ما انفكت تتابع بعيدا عن الإعلام!!! وكأن إصدار قرار حكومي بسريان التأمين الصحي بعد تسعين يوما من صدوره اهم بكثير من النظر بإلزامية التأمين الصحي الحكومي لنخرج من هذه الدوامة وليطور القطاع الصحي بموارد مالية إضافية.
وشركات التأمين ليست بريئة بالكامل ولكنها في هذه الخانة لديها ما تقوله وتوثقه وتثبته، رغم أننا في جمعية المستهلك في نزاع قضائي مع هيئة سوق رأس المال الفلسطينية نتيجة لتحديدها الحد الأدنى لتأمين المركبات والعمال بشروط تكبيلية متعبة.
ولا يفوتنا ان نوجه رسالة هنا الى صندوق الاستثمار الفلسطيني الذي يشارك في مؤسسات صحية وفي شركات التأمين أن ينبري بالدفاع عن مساهماته وان ينتصر للمرضى وحقوقهم كونه صندوقا سياديا لفلسطين.
من حق المرضى عبر جمعية حماية المستهلك ان يتوجهوا الى القضاء لإجبار المستشفيات على العودة عن قرارها بوقف استقبال المرضى إلا عبر الدفع المسبق بكشفيات هم قرروها مع نقابة الأطباء، ولكي تحمي  المستشفيات نفسها من الخطأ وإظهار نفسها بأنها مشروع استثماري فقط وهذا ما لا تقبله جمعية حماية المستهلك لها، ولا نقبل للأطباء أن يظهروا عبر شاشة تلفزيون فلسطين وكأنهم لا يبتغون إلا مالا ونقطة، بل هم رعاة وحماة الإنسانية ولا ننكر عليهم الدخل المالي إسوة ببقية القطاعات.
باختصار شديد، لا يجوز استمرار حالة الفلتان الطبي بحيث يقرر من شاء مقاطعة المرضى، ومن شاء يقرر قطع التوريد للأدوية والتجهيزات الطبية للحكومة بسبب تأخر الدفعات، ومن شاء يقرر تحديد رسوم البصريات وأسعارها دون قانون ينظم ذلك، ولا يجوز لمن شاء أن يعطل العمل بالمادة "17" من تعليمات التسعير الدوائي التي تدعو الى ألا يرتفع سعر الدواء في فلسطين عن سعره في دول الجوار وخصوصا السوق الإسرائيلية، وهذا ما حدث الى أن نضالنا لإعادة العمل بهذه المادة.
في غياب المجلس التشريعي وفي غياب الهيئات التي تضغط على الحكومة من أجل العدالة للمواطن والوفاء بالمعاهدات الدولية التي وقعت عليها دولة فلسطين خصوصا العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وفي ضوء انكشاف ظهر المواطن وخصوصا المرضى واستهداف المواطن بشكل مباشر في الشأن المالي والاقتصادي، لن يستمر هذا الحال بالمطلق لأن الإنسان في فلسطين ليس الطرف الأضعف، وعندما تخلت عن المواطن التنظيمات والأحزاب والفصائل فإن المواطن هو اللاعب الأقوى ومن يرفض علاجه سيكون مخطئا بحق نفسه أولا، ومن يتذرع باقتصاد السوق ليرفع الأسعار ولا يحددها ولا يشهر الأسعار ولا يراقب تدعيم الدقيق ولا فساد الأغذية ولا يمارس صلاحياته المنصوص عليها. ومن ثم لن ننفك في جمعية حماية المستهلك في الدفاع عنه حتى لو تكبدنا خسائر شخصية قصيرة الأمد أو طويلة الأمد.