إضراب أسرى جديد لأسباب "مُحيّرة"

WhatsApp Image 2017-03-02 at 1.04.34 PM.jpeg
حجم الخط

لا يوجد أسير يهوى الإضراب عن الطعام، فكيف إذا كان الإضراب لقضية داخلية، أو تبدو داخلية، في معسكره، أو مع ذات فريقه؟

لا شك أن قيام منظمة التحرير الفلسطينية، وهيئات الأسرى الرسمية، بتبنّي الأسرى وأُسرهم، بغض النظر عن الانتماء الفصائلي، وبغض النظر إذا ما كانت الفصائل من منظمة التحرير أم خارجها، هو مما يحسب للمنظمة، وهو ما كان سياسة المنظمة طوال عقود، وهو تجسيد لوحدة المقاومة، وهو ما يجب أن يكون عاملا إضافيا للسعي لتوحيد الشارع الفلسطيني تحت مظلة المنظمة.

الآن، صدر بيانان على الأقل عن قيادات الحركة الأسيرة في المعتقلات الإسرائيلية، يتحدثان عن بدء إضراب عن الطعام، بدأ ويتسع تدريجياً، منذ نحو يوم 20 تموز، وذلك احتجاجاً على وقف مخصصات شهرية ورواتب، تمنح لعائلات الأسرى، وتحديداً كما تقول مصادر الأسرى عائلات 133 أسيرا، من حركتي "الجهاد الإسلامي"، و"حماس" في غزة، بعد أن كانت تشمل آخرين أيضاً في الضفة والقطاع.

أحد البيانين صادر عن الأسرى المضربين ككل، والثاني عن قائدين من رموز الحركة الأسيرة لحركة "فتح" في المعتقل، ناصر عويص وماجد المصري، اللذين انضما للإضراب بجانب منسقي الهيئات الأسيرة لباقي الفصائل؛ رئيس الهيئة القيادية العليا لأسرى حركة حماس، محمد عرمان، ورئيس الهيئة القيادية العليا لأسرى الجهاد الإسلامي، زيد بسيسي، وعن الجبهة الشعبية كميل أبو حنيش، وعن الجبهة الديمقراطية محمد الملّح.

رغم التباين الشديد في مضمون وتعابير البيانين، فإنهما يشتركان في التأكيد على الطابع الإنساني للإضراب، في محاولة واضحة لتحييد الصراعات والحسابات الفصائلية من المشهد. بل إنّ عويص والمصري، شددا على التزامهما بالقيادة الفلسطينية، ممثلة بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، ودعوا للالتفاف حولها، وإلى "دعم وإسناد القيادة الوطنية الفلسطينية والتي تُمارس عليها كافة الضغوطات لتثنيها عن التصدي للصفقات المشبوهة"، وأشارا إلى تصريح عباس مؤخرا، "لو بقي قرش واحد سنصرفه على عائلات الشهداء والأسرى"، ولكنهما بعد كل ذلك يقولان أن إضرابهما عن الطعام "أتى تعبيراً عن قلقنا تجاه هذه المسألة والتي تشكل جزءاً من مجموع القضايا التي تؤرقنا دوما رغم قسوة الأسر وظروفه، وعلى رأسها وحدة الصف الفلسطيني والتي دونها لن تقوم لنا قائمة".

أما بيان الإضراب ككل فقد كانت فيه حدّة، وأكدّ على "تصاعد خطواتنا وانضمام عدد أكبر من الأسرى في الأيام القادمة إن لم ترد الحقوق لعوائلنا، التي هي قبل كل شيء حق شرعي وقانوني وأخلاقي، والمساس بها هو تعدّ على كل قيم شعبنا وثوابته المجمع عليها".

من أبرز معالم قضية الأسرى الذين انقطعت رواتبهم، أنها قضية يلفها الغموض، فلا يوجد تفسير رسمي من أي جهة رسمية لها، ولماذا هذا العدد من الأسرى تحديداً؟ هذا الغموض هو ذاته الذي يلف مجمل الإجراءات التي اتخذت في غزة. وتفقد أي إجراءات معناها السياسي أو الإداري إذا لم توضع في إطار منطقي واضح. والأهم أنه من المستحيل أن تتوقع أي قيادة تعبئة شعبية، خلف القرار السياسي، الذي تتخذه في أي خطوة الآن أو في المستقبل، من قبل جمهور تلفه الحيرة وعدم فهم ما يجري. وهنا لا بد من التنويه أن كل المعلومات المتداولة لا تأتي من مصادر رسمية مطلعة، ولكن إضراب الأسرى بالتأكيد لم يأت من فراغ.

ربما تكون الضغوط الدولية في موضوع الأسرى سبب ما يجري، وأن ما يجري هو من نوع إرسال رسالة للجهات الدولية الضاغطة، ولكن هذا لا يتسق مع تصريحات القيادة الفلسطينية بالشأن، ولا ينسجم مع الواجب الحتمي إزاء عائلات الأسرى والشهداء.

القضية الثانية، وهي التي أشار إليها أسرى "فتح"، خطورة الموضوع على وحدة الصف الوطني، والأهم وحدة الحال داخل المعتقلات، مع تذكر أن الحركة الأسيرة لعبت دورا مهما في تحقيق وحدة وطنية، ويمكن أن تلعب أدوارا سياسية مهمة، شريطة بقائها موحدة، والتمييز بين الأسرى بعد سنوات طويلة، من المساواة، له دلالات وتبعات سياسية خطرة.

لا يوجد شيء سلبي على حركة تحرر، أكثر من عدم اليقين، وعدم الوضوح، وعدم الوحدة.