جدل لم يسبق له مثيل سواء على أثير الشبكة العنكبوتية أو في باصات النقل العام والمقاهي بفئاتها. محور الشد والجذب ومثار القيل والقال ليسا كلفة المعيشة أو الضرائب، بل قرنيات الموتى وجدوى الاحتفاظ بها وجبة للدود على رغم قدرتها على إعادة البصر إلى من فقدوه.
وبين إعادة البصر وإنارة البصيرة، تدور الخلافات الملتحفة تارة بعباءة الدين وأخرى بأخلاقيات نزع الأعضاء، وثالثة باسم الفائدة حتى وإن كانت على رغم أنف المتوفي وأسرته. نقطة البداية كانت اتهاماً رسمياً وجّهه أقارب متوفى إلى إدارة مستشفى قصر العيني، يفيد بنزع قرنية الميت من دون إبلاغهم.
ومن دون سابق إنذار، خرج عميد كلية طب قصر العيني الدكتور فتحي خضير، ليؤكد أن الجزء السطحي فقط من القرنية يؤخذ لإنقاذ المرضى الذين يعالجون مجاناً في المستشفى، مضيفاً أن «الجزء الذي يؤخذ لا يؤثر في شكل العين أو يحمل إهانة للجثمان». وقد رأى بعضهم أن الإهانة الحقيقية تكمن في نزع جزء من الجسم من دون موافقة الميت مسبقاً أو موافقة أسرته، حتى وإن كان هناك من يحتاج إلى هذا الجزء، في حين رد آخرون بأن «الحاجة أم الاختراع» وأن «الحرامي الشريف» يكون مطلوباً أحياناً.
وفاجأ عضو لجنة الصحة في مجلس النواب المصري مجدي مرشد، الجميع بقوله أن القرنية ليست عضواً في الجسم، لكنها مجرد نسيج، وأنه جرى الخلط بين قانوني زراعة الأعضاء وتنظيم القرنيات. وخلص إلى أن قانون القرنية يسمح بنقل الجزء السطحي منها بلا إذن الأقارب.
وبعيداً من القانون والإذن وكون القرنية نسيجاً لا عضواً، اشتعل السجال على «فايسبوك» بين مؤيدين مطالبين بتعميم ما جرى في قصر العيني، وبين مندّدين مطالبين بالعقاب، وفريق ثالث متشبّث بفتاوى وآراء فقهية تمنع أي «نبش» في جسم الميت. حنان كتبت أن ما يثار من رفض البعض أخذ قرنية الميت بعلم أهله أو من دونه «جهل مدقع»، معللة ذلك بأن القرنية لن تنفع الميت بل من شأنها أن تنفعه إذا انتفع بها أحدهم. تامر رد عليها بأن الجهل هو السماح بانتزاع الأعضاء من دون توصية من المتوفى قبل وفاته. مصطفى رد على كليهما بأن الجهل هو السماح بنزع الأعضاء أصلاً، مؤكداً أن التبرع بالأعضاء حرام شرعاً.
تحريم التبرع يجد نفسه في مصر واقعاً بين مشايخ يمنعون ويحرمون وينذرون بعذاب أليم خلف أبواب مغلقة، وغالبيتهم تستند إلى تحريم التبرع أو النزع وفقاً للشيخ محمد متولي الشعراوي الذي رحل عام 1998 مخلفاً وراءه قاعدة شعبية عريضة ما زال يحتكم إليها كثيرون، وبين مشايخ يجيزون ويشجعون التبرع بالأعضاء على اعتبار أن فيه إحياء لآخرين.
الطريف أن هواة ركوب موجة الأحداث، سواء لانتقاد النظام السياسي أو مداهنته، ركبوا موجة نزع القرنية. الغاضبون بأطيافهم دقوا على وتر «آه يا بلد تسرق عيون الموتى! ويا عيني على الفقراء لا يملكون حتى عيونهم بعد موتهم». أما المؤيدون، فوجدوا في قانون السماح باستخدام القرنيات من دون موافقة الأهل، دليلاً دامغاً على أن مصر تتقدم والطب يتطور وبصيرة العلم أقوى من بصر الموتى.