هل اقترب مسار غزة من النهاية...؟

أكرم عطا الله.jpg
حجم الخط

فقط هي وسائل الإعلام الإسرائيلية مَن يتحدث عن موافقة حركة «حماس» على خطة منسق الأمم المتحدة لعملية السلام نيكولاي ميلادينوف، وهي التي تنشر بنود الخطة في أربع نقاط. صحيفة معاريف، القناة الثالثة عشرة، والقناة الثانية، والمحللون الإسرائيليون، كلهم نشروا ما يجري عرضه والاتفاق عليه، وأكثر من ذلك فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية علمت باجتماع حركة «حماس» وموافقتها على العرض.
هذا العرض الذي يجري إنضاجه منذ أكثر من ثلاثة أشهر، تحديداً في النصف الأول من شهر نيسان الماضي، وبعد أقل من أسبوعين على بدء مسيرات العودة على الحدود الشرقية لقطاع غزة، التي أعطت إنذاراً للجميع بأن حالة الضغط على القطاع آخذة بالانفجار. وكان الإعلان الأول عن تلك المبادرة في تقرير لجريدة الأخبار اللبنانية آنذاك، في العشرين من نيسان، بعرض أوروبي لحركة «حماس»، ولم تشر الصحيفة اللبنانية إلى الجهة التي حملت المقترح، لكن الإشارة الأبرز صدرت من عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» فتحي حماد، خلال تأبين أحد شهداء مسيرة العودة، عندما قال: «يحاولون أن يفرضوا علينا معادلات جديدة.. لقمة الخبز مقابل السلاح».
تلك كانت كأنها اعتراف من أحد قادة الحركة بأن هناك شيئاً ما، ولم يتم تسريب الكثير رغم محاولتنا للبحث عن تفاصيل ما يحدث، وكل ما عرفنا أن ميلادينوف قد جاء إلى قطاع غزة آنذاك، ولأول مرة لم يصطحب معه أياً من مساعديه، وطلب الاجتماع فقط مع اثنين من قادة «حماس»، هما: السيدان إسماعيل هنية ويحيى السنوار، ليكون اللقاء بستة أعين كما يقال. كان ذلك كافياً للكتابة آنذاك عن عرض أوروبي لحركة «حماس» رغم نفي الحركة حينها، إلا أن عجلة المفاوضات كانت قد بدأت بالتدحرج، ويبدو أنها وصلت إلى محطة الآن بعد أكثر من ثلاثة أشهر من الزيارات المكوكية لنيكولاي ميلادينوف بين تل أبيب وغزة والقاهرة أخيراً، كأنها تضع اللمسات الأخيرة قبل الإعلان.
كل ذلك كان يتطلب قراراً من «حماس» التي جرى تسهيل دخول وفد من مكتبها السياسي، وعلى رأسه نائب رئيس الحركة صالح العاروري وأعضاء المكتب: ماهر صلاح وحسام بدران وموسى أبو مرزوق. وهكذا لأول مرة تلتئم قيادة الحركة في الداخل والخارج؛ لاتخاذ قرار الموافقة على المبادرة المطروحة، وفقط عرفت بذلك إسرائيل ووسائل إعلامها، بينما الصمت يسود فلسطين.
إسرائيل بدورها، والتي كانت على امتداد الأشهر الماضية تناور وتفاوض وتستخدم القوة للضغط على المفاوضات، وتلوّح بالحرب كواحدة من أبرز أوراقها على سبيل التهديد والتخويف، وتخفيض سقف الخصم، وتدخل ميلادينوف في اللحظة الأخيرة لمنع حرب شرسة على غزة، ثم تقارير الصحافة الإسرائيلية عن الرجل الذي ساقته الأقدار لتخليص غزة من كارثتها، وهو منسق الأمم المتحدة.. كانت كل تلك مراحل لا بد منها للإعلان عن التطورات المتسارعة التي تجري بكل هذا التحول من ملاحقة نائب رئيس المكتب السياسي والضغط على قطر وتركيا لإبعاده، ثم الموافقة على دخوله غزة.. فقد كان الأمر يتطلب ذلك.
السؤال: هل كل ما يحدث بعيد عن السلطة أم أن السلطة جزء مما يحدث؟ سؤال كبير جداً ومدعاة لإصدار الحكم على التطورات. فإن كانت السلطة مختفية عن كل هذا يعني أننا أمام مشروع الفصل، ولكن أغلب الظن أنها ليست بمعزل؛ إذ إن ما تنشره الصحف الإسرائيلية والفضائيات يشير إلى دور للسلطة بتنفيذ الاتفاق، سواء على صعيد الرواتب ووقفها من قبل السلطة، أو إجراء الانتخابات. وبالتالي نحن أمام مشروع متكامل يشارك الجميع في ترتيباته لم تتضح معالمه بعد، أو بالأصح يحمل قدراً من التناقض الظاهر نظرياً، فيما الاتفاق مع حركة «حماس» بعيد عن السلطة، لكنه يتحدث عن عودة السلطة ولكن بحاجة إلى تفاصيل أكثر لإصدار حكم نهائي.
لكن في كل الظروف ليس هناك ما يدعو للاطمئنان؛ لأن إسرائيل أثبتت قدرتها على جر الطرف الفلسطيني إلى مربعات ودهاليز ومتاهات بعيدة عن طموحات الفلسطيني الذي يبدأ المفاوضات حالماً بها، ولأن موازين القوى على الأرض لم تحدث ميلاً تجاه القوة الفلسطينية وإن تمكنت غزة في الآونة الأخيرة من إبراز نفسها كمنطقة قادرة على قلب الطاولة على الجميع، لكن ليست للدرجة التي تصنع اتفاقاً قادراً على أن يشكل رافعة للمشروع الوطني، خاصة أن المفاوضات كانت تتم تحت الضغط العسكري، وتحت حرب الحصار والتجويع والإفقار ووقف الرواتب، بمعنى فقدان التوازن. وهنا السؤال للسلطة التي كثفت الضغط خلال العام الأخير على حركة «حماس»، وقد كتبنا محذرين من أن حشر الحركة بهذا الشكل قد يدفعها للبحث عن خيارات أكثر انقسامية، وقلنا: إن الحركة لن تسلّم بتجفيفها ومخطئ من يضع سياسات متصوراً أن الأمور ستسير دوماً كما يريد، وقد بحُّت الأقلام وهي تطالب بالشراكة كأداة وحيدة لتحصين البيت الفلسطيني، وقلنا بالنص: إن هناك خشية من أن الضغط عندما يزداد عن حده ينقلب إلى ضده تماماً، وإن «حماس» تعتبر نفسها جزءاً من النظام السياسي ولها حصة في صندوق الانتخابات، بل وتطمح إلى قيادة النظام السياسي بشقيه، السلطة والمنظمة. هل كان هناك من يعتقد أنها ستسلّم بخروجها من كل هذا؟
بالتأكيد لا، وهنا كانت التحذيرات من الضغوطات التي تجعل من احتمالية الذهاب وفتح مفاوضات مع الإسرائيلي من الخيارات التي يمكن أن تذهب إليها «حماس»، وقد كان من خلال طرف ثالث، وهنا يبدو الاستغراب من مخططي السياسة الذين لم يضعوا سوى خيار واحد ووحيد، دون الانتباه لطبيعة التطورات والخيارات والسيناريوهات الأخرى ودور إسرائيل والولايات المتحدة والدول العاملة معها إقليمياً. كل هذا كان واضحاً أنه الخيار الأسهل بالنسبة لحركة «حماس».
اليوم، الساعة العاشرة، ستلتئم الحكومة الإسرائيلية للمصادقة على الاتفاق، وهذا سيكون أمراً شكلياً.. فمن يعتقد للحظة أن كل بند فيه لم يكن بالتشاور مع إسرائيل؟ أغلب الظن أن إسرائيل كانت طرفاً مشاركاً بكل الصياغات التي عمل عليها منسق الأمم المتحدة، فلا شيء هنا في غزة يمر دون إسرائيل، وللمرة المئة فإن غزة جزء من الأمن القومي الإسرائيلي، ولا مصادفات في هذه المنطقة إلا ما يخرج عن مراكز الأبحاث وتتولى الحكومة تنفيذه. اليوم ستقرر المصادقة على الاتفاق وقد نكون أمام تحول كبير سيكون له ارتداداته على الداخل الفلسطيني، سواء في بنية النظام السياسي إذا ما أفضت العملية للانتخابات، أو في طبيعة الجغرافيا السياسية إذا كان المشروع سينتهي بفصل غزة. والخشية أننا لم نعد أصحاب القرار في الملف الفلسطيني، وتلك كانت لها مؤشرات منذ فترة؛ لأن الصحافة الاسرائيلية تتحدث أيضاً عن مسؤول إسرائيلي زار الدوحة للبحث عن تمويل للخطة أو المبادرة.
الفلسطيني في أكثر حالاته ضعفاً، والعربي يصارع من أجل البقاء، فأي اتفاق ستنتجه هذه المناخات؟ إنها مناخات تشبه ما قبل أوسلو الذي اكتشفنا لاحقاً أنه كان كميناً محكماً أخذنا نحو متاهة السياسة ولا سبيل للخروج.. فأين سيأخذنا الاتفاق الجديد؟ هنا رواية أخرى تهيّأت لها الظروف وتم استدراجنا إليها... لا شيء مصادفة.