خيارات الفلسطينيين في هذه الآونة

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

في حال اصطدمت الجهود المصرية بجدار عباس؛ لا بد من كلام آخر،  ومثل هذا الكلام، يتوجب على حماس، ولمناسبة مقارباتها الجديدة، أن تؤهل نفسها له، وأن تضع حداً نهائياً لمنهجية حكمها في غزة، في سياق عملية سياسية ديموقراطية داخلية، تُعيد الإعتبار للمؤسسات الدستورية والقانون وحياد جهاز الدولة والتمكين للإرادة الشعبية. فهذه أقصر الطرق للإفلات من المأزق، ولمساعدة الشعب الفلسطيني كله، في الوطن وفي الشتات.

وفي حال اضطرار عباس ومن معه، للاستجابة على مضض للجهود المصرية، يتوجب أن يكون الشرط، هو استعادة المؤسسات والقانون في الضفة، وضمان حياد جهاز الحكم، وإعادة الاعتبار للوثيقة الدستورية، وإنهاء منهجية التفرد الضال، وإعطاء كل ذي حقه، والتمكين للإرادة الشعبية!

الكيانات لا تقوم على صيغ التراضي والمصالحة والمحاصصة الأبدية بين طرفين تخاصما، وإنما تقوم على عقد اجتماعي، كان من قديم، العلاج الشافي للبشرية، وشرطاً لنشوء الجماعات الإنسانية وقيام الكيانات، وذلك منذ أيام سقراط، قبل ميلاد سيدنا المسيح بأربعة قرون. وهذا العقد، يتيح للسياسة، يتيح للسياسة، أن تبرأ من العلل، كما تتيح للساسة أن يخدموا قضاياهم بتفويض من الشعب، وما دون ذلك هو اعتداء على حقوق المجتمع، وانتحال للتمثيل وسطو على مسؤوليات العمل العام!

من العار أن يكون الفلسطينيون اليوم، في حال اللا تشكل الكياني، وفي وضعية ما قبل المجتمع. علينا أن نراجع تاريخ الأرباح التي جنتها البشرية، من نشوء المجتمع ومن قيام الكيانات الحاضنة لشعوبها!

عالم الرياضيات والفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز، أحد مفسري نظرية العقد الاجتماعي، قال إن الإنسان في مرحلة ما قبل المجتمع، كان يركز اهتمامه على مصلحته الذاتية،  وعندما تكون هذا التركيز، مع محدودية مصادر الثروة، ولا سلطة تدفع الناس الى التعاون؛ تصبح الحياة شديدة القسوة، ويسكن الخوف قلوب الجماعات والقوى الاجتماعية والأفراد من بعضهم بعضاً، وتطغى الهمجية. اليوم أصبح تجويع الأسر في غزة، وسلب حقوق الموظفين فيها، ومنع الخدمات، يعادل الهمجية. وعندما يزعم الهمجي الذي يفعل بالناس كل هذه الأفاعيل، أنه مسؤول وحامي الشرعية ورمز الدولة، يكون قد اعتدى على الحقيقة، وامتهن الكذب، واعتمد على موظفين يكذبون، مثلما كان يكذب رامي الحمد الله أمس، وهو يقول أن لا عقوبات على غزة!

بعد هوبز بأقل قليلاً من القرن، ظهر فيلسوف إنجليزي آخر، هو جون لوك، المختص في الفكر السياسي حصراً؛ فأكد على أن للأفراد الحق في مقاومة السلطة الغاشمة، الفاقدة للأسس الأخلاقية للعمل العام، انطلاقاً من مبدأ الدفاع عن النفس!

فكيف يدافع الفلسطينيون عن أنفسهم، في هذه المرحلة السوداء، إن ظلوا ينتظرون المصالحة بين طيفين لا يزالان على ضلال؟!

لا مجال لنجاح الصيغ التي تتعاطى مع غزة، باعتبارها عطشى للماء والدواء والمعابر والمطار والميناء ولسوق العمل وكفى. الشعب الفلسطيني يطمح الى كيان سياسي مؤهل ومؤتمن على قضيته، ويتولى بشرف وتحت طائلة المساءلة، مسؤوليات السياسة الاجتماعية الرصينة، التي تكرس العدالة.

واحدة من اثنتين: إما أن يتصالحا على أسس دستورية وقانونية، ويعبرا معاً مرحلة انتقالية قصيرة، لإعادة الكُرة الى الشعب، أو أن يجد طرف منهما مصلحته في التأسيس لوضع دستوري وقانوني بمساعدة الوسطاء، لكي يتم البناء عليه، والذهاب أيضاً الى انتخابات عامة. وفي هذا الخيار، سيكون الطرف المدمر للمؤسسات والذي يحتقر القانون هو الذي سيصطدم بالجدار ويسقط ثم يذهب غير مأسوف على سحنته!