في لقاء جمعني ببعض الشباب تعددت التساؤلات حول أسباب الاهتمام المصري بقطاع غزة، واستضافتها لكل من نيكولاي ملادينوف مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط ، وقيادات حركتي حماس وفتح بالقاهرة، وانطلاقاً من الحرص على توعية شبابنا بتلك القضية التي تحتل أولوية قصوى في دوائر اهتمام الأمن القومي المصري، آثرت أن نفرد هذا المقال للرد على تساؤلاتهم حتى يدركوا حجم الجهد والعمل الذي يقوم به المسئولون المصريون للدفاع عن هذه القضية والحفاظ عليها في دائرة الضوء، خاصة أنها تمر بمرحلة دقيقة نتيجة تصاعد حدة المعاناة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني سواء في الضفة الغربية والقدس ، أو في قطاع غزة الذي قدم خلال الأشهر الماضية أكثر من 1100 شهيد ونحو عشرة آلاف مصاب فلسطيني نتيجة استخدام قوات الاحتلال الإسرائيلي للقوة المفرطة في مواجهة المتظاهرين السلميين، واستمرار حصار سلطات الاحتلال ضد سكان القطاع بما دفع منسق الشئون الإنسانية في الأمم المتحدة للأراضي الفلسطينية للتحذير من إمكانية انهيار الأوضاع الإنسانية في القطاع نتيجة توقف إمدادات الوقود الطارئة التي تزود بها الأمم المتحدة المرافق الحساسة في غزة، ودعوته لإسرائيل لرفع القيود المفروضة على واردات الوقود إلى القطاع، للحيلولة دون توقف الخدمات الأساسية التي تخدم قطاعات البنية الأساسية والمستشفيات، بالتوازي مع إعطاء أولوية لقطاع غزة في التسوية، من خلال تعزيز فكرة الحل الإقليمي لنقل مسئوليات القطاع للمجتمع الدولي وتخلي إسرائيل عن مسئولياتها الأخلاقية والقانونية عن القطاع بإعتباره أراضي محتلة.
ورغم الإيجابيات التي يطرحها الاهتمام الدولي بتخفيف المعاناة عن الفلسطينيين ومحاولة تثبيت وقف إطلاق النار على جبهة قطاع غزة بين إسرائيل وحماس لمنع تدهور الأوضاع الأمنية، فإن اختزال القضية الفلسطينية في البعد الإنساني، والترويج لعقد هدنة بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني مقابل تنفيذ مشاريع لتحسين البنية الأساسية في القطاع (الصحة، الكهرباء، الصرف الصحي والمياه، التشغيل المؤقت)، وزيادة مساحة الصيد وفتح المعابر، ومحاولة إيجاد حل لمشكلة الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، يعني التسليم بوجهة نظر اليمين الصهيوني في إسرائيل الذي ينظر للتسوية النهائية من منظور السلام الاقتصادي، ويلغي تماماً كافة الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني بما في ذلك حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، والذي يشهد حالياً مساعي متكررة من الإدارة الأمريكية لإلغاء هذا الحق، من خلال دفع بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي لسن قانون جديد يختزل اعداد اللاجئين الفلسطينيين الى 40 ألف لاجئ فلسطيني فقط بدلاً من 5.2 مليون فلسطيني، إضافة لتقليص دعمها المالي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين, أونروا، وذلك في إطار مواقف الإدارة الأمريكية الحالية المنحازة لحكومة الاحتلال والتي أخذت أشكالاً متعددة بدءًا من عدم تجديد عمل مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، بهدف ممارسة الضغوط على القيادة الفلسطينية للرضوخ للمطالب الأمريكية، أومحاولات فرض حل إقليمي يستجيب لمخططات الاحتلال الهادفة إلى تصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، بمنع قيام الدولة المستقلة ذات السيادة، واقتراح الحلول الانتقالية للدولة ذات الحدود المؤقتة ودعم ما يسمى بيهودية دولة إسرائيل.
وبالنظر إلى تنامي المخاطر والتحديات التي تؤثر على مستقبل القضية الفلسطينية فقد حرصت مصر وقيادتها على القيام بواجبها القومي والوطني المخلص والأمين والصادق، باعتبارها الحاضنة الحقيقية للقضية الفلسطينية، ومن ثم فقد سارعت بدعوة حركتي حماس وفتح لتقريب وجهات النظر بينهما والمساعدة في رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني، بالتوازي مع تطوير خطتها لإنجاز المصالحة الفلسطينية من خلال وضع سقف زمني محدد لتنفيذها عبر أربع مراحل، تبدأ الأولى بإنهاء الإجراءات المتّخذة من القيادة الفلسطينية ضد حماس في القطاع وإعادة رواتب الموظفين بشكل كامل، ودفع الموازنات التشغيلية لاستمرار الخدمات الأساسية, وتوفير وقود لمحطة الكهرباء، مع تمكين الحكومة الفلسطينية من القيام بواجباتها والوفاء بالتزاماتها وبدء مشاورات تشكيل حكومة وحدة وطنية خلال فترة أقصاها خمسة أسابيع، ثم المرحلة الثانية بتسليم اللجنة الإدارية القانونية نتائج عملها للفصائل والحكومة للبدء في تطبيقها، وتطبيق سياسة الرواتب على كافة الموظفين بالضفة الغربية وقطاع غزة، مع تسليم حركة حماس أموال الإيرادات والرسوم للحكومة الفلسطينية واستقطاع جزء منها لصرف رواتب الموظفين الأمنيين, الذين لا تشملهم إجراءات اللجنة الإدارية القانونية لحين انعقاد اللجنة الأمنية والبت في وضعهم النهائي.
وتستغرق المرحلة الثالثة حوالي شهر لتمكين اللجان الأمنية من مناقشة موضوعات الأمن ووضع الآليات المناسبة لتنفيذها تحت إشراف مصري، على أن تختتم بعقد اجتماع للجنة تطوير وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية بالقاهرة, لوضع الآليات المناسبة لتنفيذ ما ورد باتفاق 2011 بشأن إنتخابات المجلس الوطني والمجلس التشريعي, والانتخابات الرئاسية، إضافة إلى المصالحة المجتمعية, والحريات العامة.
ولاشك فإن ضرورات التغلب على تداعيات معطيات الأوضاع السائدة حالياً بالمناطق المحتلة قد شكلت الدافع الرئيسي لتحرك مصر نحو تثبيت التهدئة ووقف العنف على حدود قطاع غزة، واستئناف جهود المصالحة الوطنية بين القوى والفصائل الفلسطينية أملاً في إنهاء الانقسام السياسي والجغرافي وتوحيد الصف الفلسطيني، حتى يكون هناك شريك فلسطيني قادر على التفاوض مع إسرائيل للتوصل إلى تسوية عادلة وشاملة للنزاع بين الجانبين، ووقف التدخل السلبي لبعض القوى الإقليمية والدولية لاستغلال القضية الفلسطينية لتحقيق مصالحها الحيوية على حساب معاناة الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يتطلب تضافر كل الجهود الفلسطينية والعربية للتخلي عن الاعتبارات والمصالح الذاتية لتحقيق المصالح القومية، وإدراك أن الفرصة التي تقدمها مصر الآن قد تكون الأخيرة قبل تحول الانقسام إلى انفصال بين الضفة والقطاع والدخول في دوامة الأزمات الداخلية التي تدفع نحو ضياع القضية الفلسطينية.
عن "الأهرام" المصرية