في العجلة الندامة... !

د. عبد المجيد سويلم.jpg
حجم الخط

إسرائيل و»حماس» تسابقان الريح لإنجاز صفقة الهدنة، أو ما تسمى للتورية والتمويه صفقة التهدئة، بل وصلت الأمور بإسرائيل أن تعلن أن قتلها لاثنين من «القسام» كان بالخطأ، وذلك حتى لا تتعكر الأجواء قبل المناقشات في المجلس المصغر اليوم حسب ما أعلن في وسائل الإعلام الإسرائيلية.
لكن دعونا نعد قليلاً إلى الوراء علنا نستطيع أن نكشف عما كانت «حماس» تعتقد أنه من «المستورات»، ودعونا نحاول أن نربط ما بين سباق المسافات الطويلة على مسار الهدنة وعلى مسار المصالحة.
عندما سارعت «حماس» للإعلان المفاجئ عن موافقتها على الورقة المصرية كانت ترغب في إظهار حركة فتح وكأنها تعطل هذه المصالحة لمجرّد أنها ستدرس هذه الاقتراحات الواردة في الورقة.
أوحت حركة حماس من خلال الموافقة الفورية وبلا تحفظ وبلا أية ملاحظات أن الورقة نهائية وأن الرد المطلوب هو إما الموافقة أو الرفض.
تبين الآن أن هذا الأمر ليس فقط أنه غير صحيح وإنما مضلّل أيضاً. وكان التضليل مقصوداً بوضوح. فقد سلمت حركة فتح ردودها، وأبدت ملاحظاتها، دون أي مشكلات تذكر، بل وعاد الجانب المصري ليتبنى قضايا جوهرية في ردود حركة فتح.
ليس فقط هذا، وإنما طلب الجانب المصري من حركة حماس الردود النهائية بعد أن تضمنت الورقة المصرية «الجديدة» قضايا جوهرية من اقتراحات حركة فتح.
الدليل القاطع على ذلك هو ما يلي:
وفد حركة حماس الذي تدارس كل الملفات على مدار أسبوع كامل أنهى اجتماعاته وتوجه إلى القاهرة حاملاً ردود حركة حماس على ثلاثة ملفات من بينها الورقة المصرية للمصالحة. إذ لم تكن الورقة المصرية نهائية، ولم يكن مطلوباً الرد الفوري والعلني عليها، ما أثار الشكوك الكبيرة من سرعة وعلنية الرد الحمساوي على الورقة.
كانت حركة حماس تريد «سلق» المصالحة للتغطية على «الهدنة»، التي تعرف حركة حماس أكثر من غيرها أنها (أي صفقة الهدنة) ستذهب بقطاع غزة وبسرعة لكي يكون القطاع «موضوعياً» جزءاً مستتراً الآن، ومعلناً غداً من صفقة القرن في هذا الشق من الصفقة. ولأن حركة حماس كانت تعرف ذلك جيداً، فقد استعجلت أمرها، ما عرضها للإحراج من أوساط فلسطينية داخلية كثيرة وما زال الحبل على أول الجرّار.
واضح الآن، أيضاً، أن «حماس» أرسلت إلى إسرائيل عبر وسطاء ردها على موضوع الهدنة، بالقبول، ولمدة خمس سنوات وبأنها (أي حركة حماس) ستلزم الجميع بها في القطاع، كما وافقت على إرجاء موضوع الأسرى الذين أعيد اعتقالهم. على ما يبدو فإن القيادة الفلسطينية علمت بالرد الحمساوي، قبل أن يُسلّم لإسرائيل، وفهمت أن «حماس» تسابق الريح للوصول إلى الهدنة قبل المصالحة، لكي تمسك بورقة الهدنة في مواجهة القيادة والفصائل، وكذلك اعتقدت «حماس» أن هذه الورقة بالذات (ورقة الهدنة) ستقوي من وضعها التفاوضي مع «فتح» وستستخدم هذه الورقة في ابتزاز القيادة الفلسطينية.
باختصار هذه العجلة ليست صدفة، وليست مجرد مفارقة، إنها عجلة نابعة من وصول البعض في حركة حماس للاستقواء بإسرائيل وأميركا على الشرعية الوطنية. لهذا كله فإن الفصائل أبدت دائماً تأييدها للتهدئة ثم للهدنة ولكن ليس قبل المصالحة وإنما بعدها، في حين أن «حماس» عملت وخططت للإمساك بورقة الهدنة قبل المصالحة عن سابق إصرار وترصُّد وتقصُّد.
اللعبة الآن أصبحت مكشوفة، وأعلنت حركة حماس عن قبولها بالرقص على مسرح الذئاب كما قال الكاتب مهند عبد الحميد، ولكن الذئاب لم يقولوا كلمتهم الأخيرة بعد.
الذئب الأميركي صامت، ولكنه يُعدّ العدّة للهجوم بعد الانتخابات وليس قبلها، وقبل أيام قليلة أُعلن أنه سيضم الكثيرين من الخبراء للاعداد المتكامل للصفقة (صفقة القرن)، ولطرحها على الملأ بُعَيْد الانتخابات الأميركية مباشرة. أما الذئب الإسرائيلي فقد عبّر عن موقفه نتنياهو عندما ناشد وزارته بالموافقة السريعة على صفقة الهدنة، وأجّل زيارته لكولومبيا خصيصاً لخوض هذه «المعركة».
لماذا؟ لأن إسرائيل تعرف حق المعرفة أن أخطر ما كان يمكن أن تواجهه في هذا المجال هو أن تكون الهدنة محصلة لتوافق وطني يضيع على نتنياهو فرصة بقاء الانقسام تمهيداً لانفصال القطاع وحشر القطاع في صفقة القرن عبر البوابة الإنسانية.
وإلاّ لماذا تنازلت إسرائيل عن معظم شروطها المعلنة سابقاً وسارعت إلى التمهيد لقبول الصفقة إذا لم نقل بأنها هي من صاغ بنودها الرئيسية؟
أكثر ما كانت تخافه إسرائيل هو أن تؤدي الهدنة في حالة إن تأخّرت عن بند المصالحة إلى فك الحصار عن غزة وخسارة «الانقسام»، والذي هو ذخر استراتيجي لإسرائيل، وأن تكون الشرعية الفلسطينية قوية بعد إتمام المصالحة وتتعزز سلطة هذه الشرعية في مواجهة صفقة القرن الصهيونية.
لذلك نقول إن المستورات قد كشفت تماماً، وعلى الكل الفلسطيني أن يسارع لإنقاذ حماس من الوقوع في هذا المطبّ والمصيدة التي تعد لها قبل أن تعد لنا كلنا، والأمر ما زال قابلاً للإنقاذ والخروج، بل والهروب السريع من الرقص في مسرح الذئاب.
وبدون حصانة الشرعية الوطنية بل والإجماع الوطني ستبدو «الهدنة» قفزة في الهواء، ومغامرة خطرة وغير محسوبة، وخطرها على «حماس» نفسها أكبر بكثير مما يتصور بعض قادتها.
فالحسابات الصغيرة لا تحل مشكلات كبيرة، ولا مناص من التراجع قبل فوات الأوان.
عندما تكمل الذئاب دورة التهام اللحم البشري فلن يتصدقوا على أحد حتى ولو ببواقي عظمة.
وصدق من قال: في العجلة الندامة.