العودة للعبة الدم مع غزة

824181528516478.jpg
حجم الخط

 

منذ منتصف آذار الماضي "جرّت" حماس "شكل" مع إسرائيل, حين أطلقت مسيرة العودة, باتجاه الحدود الشرقية والشمالية بين قطاع غزة وإسرائيل, وذلك لأول مرة  منذ انفردت الحركة بحكم قطاع غزة, منذ العام 2007, حيث كانت من قبل تطلق حركة الاحتجاج ضد الحصار إما باتجاه معبر رفح, وأسلاك الحدود الشائكة مع مصر والتي قامت أكثر من مرة _ فعلا _ حشود حماس باقتحامها في أكثر من مناسبة, وإما من خلال تسيير سفن كسر الحصار القادمة إلى القطاع وعلى متنها المتضامنون الدوليون, المقربون إلى حد ما سياسيا من حماس, خاصة من الأتراك, حيث ما زالت الدولة المسلمة تعتبر واحدة من أهم داعمي ومؤيدي حماس والأخوان العرب عموما . 
هذا العام, وبعد محاولة جدية لكسر الحصار عبر بوابة إنهاء الانقسام, وبعد مبادرة تقدم بها التيار الإصلاحي في حركة فتح العام الماضي, أظهرت حماس مرونة بالغة في التعامل مع هذا الملف, لكن الطرف الآخر, نقصد به سلطة رام الله, أظهر تشددا بل وحتى ما يؤكد عدم جديته في إنهاء ملف الانقسام بشكل وطني, بل أظهر أنه يسعى إلى, أو أنه يفهم من إغلاق ملف الانقسام "تطويع المقاومة في قطاع غزة" وتنصيب أجهزة التنسيق الأمني, وليس سلطة القانون أو الشرعية السياسية, المهم انه مع إغلاق هذا الملف, خاصة بعد الواقعة المثيرة للريبة, خاصة لجهة المسئول عن تنفيذها, ونقصد بها محاولة تفجير موكب رامي الحمد الله وماجد فرج, كان على حماس أن تطرق الباب الآخر لكسر الحصار . 
وحيث أن علاقة حماس مع مصر أصبحت علاقة حياة أو موت بالنسبة لها, فليس من المعقول بأن تفكر في اقتحام معبر رفح, خاصة وأن مصر, وفق تكتيك الضغط على سلطة رام الله, بعد أن تأكدت القاهرة من أنها صارت الطرف الرافض لإنهاء الانقسام وفق منطق الشراكة أو وفق الحل الوطني, قد قامت بفتح معبر رفح منذ أكثر من ثلاثة شهور بشكل يومي ومتواصل . 
كذلك مع ملاحظة انفضاض مراكب التضامن الدولي, فإن حماس جربت أن تطلق مراكب كسر الحصار بالاتجاه العكسي, أي من غزة للخارج, بعد أن كانت المراكب تأتي إلى غزة من الخارج, لكن حتى ومع قمع إسرائيل لهذه المراكب, لم تثر الظاهرة الأعلام الإقليمي فضلا عن العالمي, لذا فقد وجدت حماس ضالتها في مسيرة العودة .
وحتى تتجنب حماس أن يؤدي الاحتكاك أو ما سبق ووصفناه بأنه "جر الشكل" مع إسرائيل إلى حرب رابعة, لا احد يعلم مسبقا إلى ماذا ستنتهي, فقد حرصت حماس, ولأول مرة أيضا على  أن تظهر انتهاجها لأسلوب المقاومة الشعبية السلمية, فكان أن ذهب رأس الحركة أي رئيسها إسماعيل هنية إلى شرق غزة, وعلى مقربة من السياج الحدود ألقى كلمته التي أكد فيها هذا النهج, وهو يقف إلى جوار صور مارتن لوثر كينج, المهاتما غاندي ونيلسون مانديلا . 
وهكذا حرّكت مسيرة العودة ملف كسر الحصار بالتحديد, وهو الملف الرئيسي على طاولة حماس, وبشكل متواصل من خلال فعاليات أيام الجمع, التي بدأت بتجريب إحراق إطارات الكاوتشوك, ثم كان الحدث الأخطر هو قص السياج الحدودي في إشارة تحذيرية, إلى أن عدم الاهتمام بضائقة حماس, خلال الفترة الفاصلة بين نهاية آذار ومطلع حزيران مرورا بمنتصف أيار, سيعني اقتحام عشرات ألاف المواطنين للحدود, بما يعني إزالتها, وحينها تصبح المواجهة على طريقة عناق الدببة, أو أنها ستضع إسرائيل أمام احد خيارين, أما العودة إلى غزة, ومواجهة حرب طاحنة, أو رفع يدها عنها, دون قيد أو شرط . 
أظهرت إسرائيل العين الحمراء لحماس في ليلة الخامس عشر من أيار, فكان أن امتنعت عن قص السياج, وعن التلويح باقتحام الحدود, حتى أن الخامس من حزيران مر دون أن تنفذ حماس تهديدها باقتحام تلك الحدود, ودخول آلاف المواطنين الفلسطينيين بالحالمين بالعودة, إلى قرى ومدن آبائهم وأجدادهم . 
ثم لم يبق بيد حماس سوى الطائرات الورقية والبالونات الحارقة, التي تحدث خسائر مادية في حقول القمح الخاصة بمستوطنات غلاف غزة, ولا تلحق أية خسائر بشرية, وهي أصلا مرتبطة بفصل الصيف, ويقتصر ضررها على إشعال الحرائق في تلك المحاصيل فقط .
ضاقت إسرائيل المتطرفة ذرعا بهذا الإزعاج, لدرجة أن يأمر وزير الحرب افيغدور ليبرمان بإغلاق معبر كرم أبو سالم, حيث يعتبر هو الشريان شبه الوحيد الذي يغذي غزة المنهكة بما تحتاجه من مواد وسلع أساسية . 
وأطلق شرطا لفتح المعبر وهو وقف إطلاق البالونات الحارقة, ثم ولأن تحريك ملف كسر الحصار بدفعه نحو إسرائيل قد حرّك الملفات النائمة, خاصة ملف الجنود الإسرائيليين المفقودين في غزة, فقد وضع من هم على يمين نتنياهو شرط نزع سلاح غزة وعودة أولئك الجنود, لكسر الحصار . 
هنا خرجت مبادرة نيكولاي ميلادينوف من "جراب الحاوي" لتكون بمثابة خشبة الخلاص للطرفين, لكن الشريك الأكثر تطرفا في حكومة اليمين ونقصد البيت اليهودي وخاصة منه ايليت شاكيد, "فرمل" التحرك باتجاه التوصل لصفقة سياسية/أمنية/إنسانية, مما استدعى فصلا دمويا من اجل تجاوز الاستعصاء, وهنا يمكن القول بأن لعبة الشطرنج السياسي قد بدأت, فالطرفان لا يريدان حربا, ويرغبان في التوصل لاتفاق, وما تخسين الحدود بينهما, إلا طريقة معروفة من أجل مزيد من الاهتمام بالملف, وبالتالي دفع مزيد من الوسطاء للتدخل وجلب مزيد من الضغط, عملا بالمقولة المأثورة " اشتدي أزمة تنفرجي " .