كلُّ دولةٍ ترغبُ في ركوبِ قطار المستقبلِ عليها أن تعرف بداية الطريق، وبدون معرفة هذه البداية فإنها تظلُّ في العماء!
بدايةُ الطريق نحو التقدم والازدهار عرفته الأمم منذ القدم، وسخَّرت مواردها كلَّها لهذه البداية، فانتشلتْ مجتمعها من الجهالات، وتمكنت من إعادة صياغة قيمها وتقاليدها، وعثرت على إكسير التقدم والرفاه والعزة والقوة.
بداية الطريق لم تكن سوى إعادة صياغة برامج التربية والتعليم، وآليات تحقيق أهداف الأمم المستقبلية!
سألني أحدُ الساخرين سؤالا، وهو يُتابع تهاني المهنئين بالنجاح في صفحات الفيس بوك بنتائج الناجحين ، ممن يفرح ذووهم بتفوق أبنائهم في مراحل التعليم، بدءا من رياض الأطفال، وانتهاء بشهادات الماجستير، قال:
من يُحصِ أعداد الناجحين في وطني(كَمَّاً) فإنه سيقول: نحن بالتأكيد من أوائل دول العالم في التقدم والرفعة!!
فما بالنا نقبع في آخر مراكز الحضارة في العالم؟
هناك فرقٌ بين الكم والكيف، والفرق بينهما هو الفرق بين الرفعة الحضارية، والورطة الحكومية، فعندما تفخر الدول بأعداد المتقدمين للشهادات، وتقيس مستقبلها بالكم العددي، فإنها تكون قد كرَّستْ التخلف والتبعية، وفاقمت مشكلاتها، وغضت النظر عن مستقبلها، لتعيش في أزماتها!
وقد تابعتُ بعض عناوين الأبحاث في أقسام الدراسات العُليا، للحصول على شهادة الماجستير، فأصبتُ بالإحباط، وأنا أتابع فقط عناوين الأبحاث العلمية العشوائية التي تابعتها، لأنني لم أعثر بينها على أبحاثٍ لها علاقة بالمستقبل، وأقتطف بعضها، مع الاعتذار لأصحاب هذه العناوين، فأنا لا أقصد أن البحث العلمي لا يحتاجها، ولكنها تشير إلى ظاهرة، وهي أنها أبحاثٌ نظرية، لا علاقة لها بالخيال العلمي، الباعث على الإبداع.
من عناوين الأبحاث:
- استخدام المدخل المنظومي في تدريس الفقه.
- الدمج وأثره في الأداء الأكاديمي والاجتماعي والانفعالي،
- الفعل المضارع بين مدرسة البصرة والكوفة.
- زراعة الصحارى البعلية في العهد المملوكي,
- أحكام التحالف السياسي في الشريعة.
- مجزرة جنين وأثرها في الشعر والقصة.
وفي الوقت نفسه تابعتُ بحثا جديدا، في كلية (بزاليل) للفن في القدس، حيث قدم الطالب (بافل بوستفوت) ذو الستة والعشرين عاما مشروعا تقنيا عنوانه:
" مستقبل الجيش الإسرائيلي عام 2048 ، وتخيل الطالب عربات وطائرات الجيش كيف سيكون شكلها المستقبلي، والمشروع هو خيال علمي، وقد رسم الطالب عربات الجيش الجديدة ما بين الطائرة والدبابة والصاروخ، وتخيلها ولها سيقان طويلة تفردها وسط الأنهار والبحار "
وتابعتُ بحثا آخر في مستقبل الجيل الإلكتروني الثاني، عندما يتحول جلد الإنسان إلى رقائق كمبيوترية وأجهزة إرسال، وكيفية استغلال حركة الإنسان في توليد طاقة قادرة على أن تجعله يستغني عن الطاقات الخارجية.
إذن هناك فرقٌ كبير بين أبحاث الخيال العلمي الإبداعي، وبين أبحاث ودراسات كوابيس وأضغاث الأحلام!