الحرب على غزة.. سياقات إسرائيلية داخلية!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

لأن الحرب القادمة على غزة، لن تأخذ بالاعتبار حجم ووزن القنابل والقذائف التي ستنزل على المواطنين الفلسطينيين، جرعة الهجوم وشدة النيران لن تؤخذ بالحسبان إطلاقاً، ذلك أن الهدف بات واضحاً لدى القيادة الإسرائيلية، إما حرب ستكون آخر الحروب على قطاع غزة، سواء باحتلاله أو بإزالة كافة عناصر المواجهة العسكرية والأمنية وإقصاء وتدمير البنية التحتية، الأمنية والتنظيمية لحركة حماس، أو لا حرب جديدة، تضاف إلى قائمة الحروب السابقة، وتستدعي حرباً قادمة أخرى، دون أن يغير ذلك من طبيعة المعادلة بين قطاع غزة وإسرائيل، هذا ما يمكن فهمه من مقال افتتاحي نشرته، أمس، صحيفة «يديعوت أحرونوت» مشيراً إلى أن الحرب القادمة إذا ما وقعت لن تعنيها التفاصيل، لذلك، تقول الصحيفة، إن كل الجهود ترمي الآن إلى تأجيل هذه الحرب!
واقع الحال في قطاع غزة هذه الأيام، لا يمكن توصيفه فيما إذا كان الأمر يتعلق بهدوء متوتر، أو باستعداد لحرب قادمة، أو بانتظار للمجهول، أو تمهيداً للانتقال من تهدئة هشة إلى هدنة طويلة الأمد، أو «لا شيء من ذلك» هناك هدوء من الممكن أن يوضع حد له في أية لحظة، باستثناء اشتباكات «تقليدية» على مشارف غزة مع «غلافها» الإسرائيلي، مع المزيد من الشهداء والجرحى بالتوازي مع تهديدات إسرائيلية تجاوزت حدوها التقليدية، بالتهديد بحرب جديدة تبدأ مع ما انتهت إليه الحرب الثالثة: تدمير الأبراج السكنية والبنية التحتية، تدمير مبنى «المسحال الثقافي»، كانت الرسالة الأوضح بهذا الصدد!
إسرائيل حتى الآن، لم تعلن أن هناك تهدئة مع قطاع غزة، بل ان الاجتماع الذي قاده نتنياهو للمجلس الوزاري المصغر الذي كان مخصصاً لاتخاذ قرارات حول «ملف غزة» اتخذ قراراً معلناً بالتصعيد والرد على الهجمات الفلسطينية والاستعداد للتطورات الأمنية، دون أي حديث عن تهدئة، الفصائل الفلسطينية ووسائل اعلام مختلفة هي التي تحدثت عن وساطات جدية أدت إلى وقف إطلاق النار والتوصل إلى تهدئة، ولم تتخذ أي إجراءات تشير إلى أن هذه التهدئة تشمل عناصر غير تلك المتعلقة بوقف إطلاق النار، لذلك فإن هذه التهدئة تأتي في إطار ما سعت إليه إسرائيل فعلاً، أي «هدوء مقابل هدوء» بينما كان الحديث عن تهدئة تؤدي إلى فتح معبر كرم أبو سالم وإلغاء قائمة الممنوعات من المنتجات المطلوبة لقطاع غزة عبر هذا المعبر، وزيادة مساحة الصيد البحري في «المتوسط» من شواطئ قطاع غزة، مقابل وقف مسيرة العودة وعلى الأخص الطائرات والبالونات الحارقة.
الجيش الإسرائيلي يلقي بظلال من التعتيم على نواياه للايام، وربما اللحظات القادمة، فبينما أعلن الناطق باسم الجيش عودة الحياة إلى وضعها الطبيعي، صباح يوم الجمعة، في منطقة غلاف غزة، وعودة عمل القطارات والسماح بعقد اجتماعات وتجديد الأنشطة التعليمية والمخيمات الصيفية، لإشاعة الهدوء، فإنه من ناحية أخرى، يعلن عن نصب المزيد من القبة الحديدية ونشرها على حدود قطاع غزة ومدن أخرى كتل أبيب، كما يستدعي جزءاً من احتياط جيشه، وبحيث تظل أي قراءة لما هو متوقع أكثر صعوبة في ظل هذا التعتيم المعلن، الأمر الذي من شأنه إبقاء الأمر تحت طائلة الشكوك والاحتمالات والتهديدات!
إن أي قرار إسرائيلي، باتساع دائرة التصعيد، أو شن حرب شاملة، يتعدى عوامل الميدان الأمني، إلى ميدان السياسة الداخلية الإسرائيلية، هبوط شعبية نتنياهو في استطلاعات الرأي، نتيجة لموقفه من الحرب على غزة، إضافة إلى الهجمات التي يتلقاها من أصدقائه قبل خصومه للضغط عليه من أجل الإقدام على مغامرة في قطاع غزة، ربما تدفع باتجاه هذه الحرب، ليس لأسباب عملياتية، ولكن في ضوء التقاطعات في إطار الائتلاف الحكومي، وابتزاز قوى المعارضة الحزبية، مع أن الخاسر الوحيد في الحرب القادمة على قطاع غزة، هو نتنياهو نفسه، الذي سبق وأن تلقى الكثير من اللوم وتحميل المسؤولية عن إخفاقات جيشه في حروبه السابقة على قطاع غزة من قبل كافة لجان التحقيق التي تعاملت مع ملفات تلك الحروب، هو يدرك أكثر من غيره إمكانيات جيشه في تحقيق انتصار ناجز، بعيد المنال، لذلك، فهو لن يغامر إلاّ في حال تمكنت الضغوط عليه من الإجهاز على مستقبله السياسي في حال شن الحرب على قطاع غزة!