المقاومة ليست ميليشيات

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

ما فاه به عباس، حول السلاح والمقاومة، هو محض محاولة من شخص لا يملك أي قدر من القوة الأدبية، لمحو صفة المقاومة عن تشكيلاتها، ومحاولة تغذية مسمومة،  لوعي الرأي العام الفلسطيني، لإقناعه بأن المقاومين ليسوا إلا مجموعات من عناصر فوضى، ليس لسلاحهم أية أبعاد سياسية أو قانونية، تستمد مشروعيتها من حق الشعوب الرازحة تحت نير الاحتلال في الدفاع عن النفس، ومن كونها، في مرجعيات القانون الدولي، ظاهرة تاريخية ناجمة عن احتلال أراضي الغير واستعباد شعوبها!

في الكلام الراشد، يمكن أن تُشكل المقاومة، عنصراً ضامناً لنجاح المصالحة، إذ يتاح لمن أمسك بالقرار الرسمي الفلسطيني، أن يطالب بالتأطير الدستوري لهذه القوة التي حافظ عليها الفلسطينيون قدر ما يستطيعون، لكي لا نصبح كالخراف، كلما أراد العدو أن يتوغل ويطارد ويعتقل وينسف البيوت ويقتل؛ يفعل ذلك دون أن يراه أحد، ولكي لا يراه العالم مثلما يراه يقصف بأحدث الطائرات الأمريكية الحديثة بيوت الآمنين، ويقتل أطفالاً.

في مقدور الممسك بالقرار الرسمي، لو كان يريد الحق والطريق القويم، أن يطالب بأن تتحول المقاومة الى قوة دفاع وطنية موحدة، كالجيش، في إطار مؤسسة دفاع فلسطينية، منزوعة الصفة الحزبية، يربطها بالمستوى السياسي، خط تحديد التوجه الاستراتيجي. عندئذٍ يتوجب طرح السؤال: أي مستوى سياسي هذا، الذي ينبغي أن يحدد لقوة الدفاع الفلسطينية توجهها الاستراتيجي؟

بالطبع، هو المستوى المفوض من الشعب، والمؤتمن من قبله، على قاعدة المشاركة الوطنية، والخيار الديموقراطي!

لكننا قبل الإجابة عن سؤال المستوى السياسي المؤهل، نعود ابتداءً، وعلى سبيل التذكير، لما قلناه يوم إعلان اتفاق  إعلان المبادي وما نسميه "أوسلو".  كان الرأي النقدي ينبه الى أن مواثيق التسويات، على مر التاريخ، اعتمدت المنطق الصحيح، وهو أن يكون الحل بالجملة والتنفيذ متدرجاً وبالمفرّق حسب ظروف كل نزاع وتداعياته على الأرض. لكن وثيقة "أوسلو" فعلت العكس. فبدل الاتفاق على الرؤية كلها، لكي يعرف الطرفان الى أي هدف يذهبان، وبدل اعتماد أسلوب التنفيذ بمواعيد زمنية موصولة لن تقطع سياقها أية تطورات؛ اعتمدت "أوسلو" أسلوب التنفيذ دون رؤية، حتى بات الفلسطينيون بعد كل خطوة شكلية أو محدودة، لا يعرفون شكل ووجهة السياق، بعد انتهاء المرحلة التي سُميت انتقالية. هل هو سياق يصل بنا الى حكم ذاتي محدود ودائم، داخل حدود السيادة الإسرائيلية أم دولة مستقلة؟ ولم يأت ذكر حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. فالتسوية في عز أيامها وأوهامها،  كانت بالقطاعي والتنفيذ بالجملة ودفعة واحدة. من هنا نشأ مأزق منظمة التحرير التي يريدونها مرجعية، إذ بعد التنفيذ بالجملة دون إطار شامل للحل، جرى ضخ إدارات المنظمة الى وعاء سلطة الحكم الذاتي الأقل من محدود. وبعد أن اصطدمنا بالجدار، وأصبحنا مضطرين للعودة الى المنظمة، لم نجد إلا خُشُباً مسنّدة، أتاحت لعباس أن يتجاوز صلاحياته وأن يؤثث الأطر على هواه، مثلما تُؤثث الشقق. انتخب هو أعضاء أطر المنظمة، لكي يرد المُنتخبون له الجميل، فيصفقوا له عندما يعتلي المنصة، ويرقصون!

هنا، نكون بصدد كرنفال ولعبة استغماية وليس بصدد ممارسة وطنية سياسية. والأنكى من ذلك، أن الرجل، الممغوص من سلاح المقاومة، لا يريد استعادة دور المنظمة، جواباً على انسداد الأفق وبمنطق العودة الى السياق الكفاحي التاريخي للشعب الفلسطيني. هو يريد استعادتها بالتأثيث الجديد، لكي يتفرد ويواصل ضغوطه لإرهاق الشعب الفلسطيني وسلب حقوقه وإطاحة العدالة، وكلما ظهر على منصة مجلسه المركزي، يبيعنا بعض الكلام ــ وليس كله ــ الذي تهفو اليه نفوس الفلسطينيين، ويتيح لأعضاء مجلسه أن يُصدروا قرارات ثم يعودون الى منازلهم، وفي اليوم التالي يبرهن ماجد فرج، على أن مجلس عباس وقرارات مجلس عباس في دُرج عباس!

لأن صيغة "أوسلو" جاءت بالمقلوب، أي بالتنفيذ قبل معرفة الحل، فقد جاءت الصيغة الإجرائية مقلوبة هي الأخرى. وأصبحت السياسة تتأسس على الأمن، ولا يتأسس الأمن على السياسة كما هو المنطق. ولما أفلتت الأمور، واتضح أن العدو لا يشبع أمناً ولا تعاوناً أمنياً؛ اختار عباس منطق المبالغة في استرضاء الاحتلال، بطلب نزع سلاح المقاومة، واهماً أن الاحتلال سيشبع أمناً وتتحسن أخلاقه!

كانت "أوسلو" مقلوبة، مثل حِلة (أو طنجرة) المقلوبة حين تُقلب على وجهها، وبعد الطرقات على ظهرها لكي لا يبقى فيها شيء من الأرز، ثم رفعها وتعديلها فارغة، جاء الفصيح لكي يقحط القاع بملعقته!

المقاومة ليست ميليشيات. هي نواة قوة دفاع فلسطينية، ينبغي أن تكون دستورية، ومنفتحة على المجتمع، في التجنيد والتجديد، كما جيوش الأمم!