احـتـكـار الـفـشـل ..!!

أكرم عطا الله.jpg
حجم الخط

هل يستطيع أي مسؤول فلسطيني من كل القوى والأحزاب أن يقف أمام الشعب ويتحدث عن إنجازات؟ أغلب الظن أنه سيتحول الى مادة للتندر أمام واقع غارق حتى أذنيه في الفشل، فالمعادلة أبسط كثيراً من كل اللغة الانشائية التي يتم استدعاؤها للدعاية والترويج، فالثمن المدفوع على امتداد المسيرة كان هائلاً قياساً بصفر كبير من اللاإنجاز هو ما يتحقق أمامنا بعد هذه الرحلة والتجربة الطويلة.
لا داعي للحديث عن غزة ومأساتها وفقرها وحروبها والخراب الذي حل بها والدم الذي يسيل بلا توقف وبلا مقابل، ولا داعي للتذكير بالضفة وحواجزها وتقطيعها وانتشار الاستيطان بلا توقف، وبالتالي نحن أمام حقيقة تقول إن الفشل كان حليفنا وصديقنا ورفيق رحلتنا المكللة بالصراع بيننا بلا أي فخر، وأن ما يحدث حالياً من انهيار هو نتاج أدائنا وسوء إدارتنا لأهم قضية أغرق أصحابها بالمال والمناصب ونزلوا عن الجبل مبكراً واقتتلوا على الغنائم، تاركين القدس بيت الله وأرض الله تضيع أمام أعينهم.
لا داعي للحديث كثيراً لإقناع الخصوم والأصدقاء أننا لم نحقق أحلامنا وأهدافنا وطموحاتنا، ولا داعي لأن نقنع مؤيدي الفصائل بانكشاف فصائلهم أمام المشهد الذي يتبدى أمامنا عارياً من كل شيء سوى وفود ومؤتمرات واجتماعات وحوارات تحاول ذر الرماد في عين الحقيقة الماثلة بلا مساحيق، بأننا نغرق أكثر وأن مشروعنا الوطني يتباعد أكثر، وبأن الوطن تم تقسيمه وأُعيد تصميمه على مقاسات تناسب أهواء المنقسمين وأهواء اسرائيل أكثر، والتي تراقب خيبتنا بنشوة المنتصر على بدائيي السياسة وهواتها المسلحين بعقل الشرق وإرث الشرق الاقصائي، بعيداً عن متطلبات حدها الأدنى وبعيداً عن أصولها، بل بعقل العشيرة الذي لم يتوقف توريثه في المنطقة العربية كما وراثة الدم والعنف.
لقد أفقنا من علياء الحلم على واقع الحقيقة التي تتبدى أمامنا بصدمة فقر النتائج، عندما ارتطمنا بصخرة عناد الانقسام وعشق السلطة حد القتل وحد ادماء الوطن بلا رحمة، والتنكيل بالمواطن دون أن يهتز جفن أو شعرة في لحية أحدهم، وبكل ما مورس علينا من خداع لسنوات طويلة بأن المصالحة على الطريق وبأن كل جولة من جولاتها كانت تحمل نُذُر حل، ولكن نكتشف الآن أننا نغرق أكثر في وحل يبدو الخروج منه يتطلب التضحية بالمؤسسة وبالمواطن وبالوطن وبالمستقبل، هكذا بلا شعارات كانت جزءاً من مأساة الخداع، ونحن في الطريق نحو الحلم الذي أصيب بنيران صديقة.
ومن حركة تُحدث ما يكفي من الانعطافة بكل مواقفها وشعاراتها، وبكل التكلفة التي كانت تصاحبها ذاهبةً تبحث عن آليات تثبيت الحكم، وصولاً لحركة أخرى تختزل المؤسسة في أضيق حالات خنقتها أيضاً من أجل الحكم، يبدو الواقع الراهن بصورته السوداء كأن تاريخنا تلخص في صفحته الأخيرة بالسلطة والحكم والتحكم حتى لو تمّت التضحية بالوطن من أجله، هكذا قال أحدهم "من أجل تحرير الوطن نحن بحاجة الى نخبة مستعدة للتضحية بنفسها من أجل الوطن، ولكن اذا أصرت تلك النخبة على حكم الوطن بعد التحرير فان ذلك تضحية بالوطن من أجل مصالح تلك النخبة". فما بالنا عندما تحكم تلك النخبة قبل أن يتحرر الوطن؟ فان وطأتها أشد ثقلاً على هذه الأرض وعلى المواطن الرازح تحت الاحتلال، لكن الأشد غرابةً هو استمرار هذا الانقسام في ظل التهديد بالتصفية، وفي ظل الفشل الذي يكللنا جميعاً، وعجز الفصائل والقادة عن تحقيق أي شيء سوى الصفر الكبير الذي يتبدى أمامنا بلا ورقة توت، وكلٌّ يريد أن يحتفظ بفشله وحده دون مشاركة أحد، جرت العادة أن القوى أو السياسيين يسعون لعدم إشراك غيرهم في النجاح والإنجاز، أما الإصرار على احتكار الفشل فهذا خارج المنطق وخارج سياق العقل.
لو كان هناك شراكة لتوزع الفشل وتوزع دمه بين القبائل، هكذا فعلت قبائل الجاهلية التي نعيب فقرها السياسي عندما أرادت توزيع دم الرسول، لقد كان الجاهليون أكثر رجاحةً منا، حيث يصر مَن لدينا من سياسيين أن يقفوا أمامنا كلٌ منهم بلائحة اتهام نحاكم فيها الماضي والحاضر بكل هذا الوضوح الذي لا يغطيه كربال الكلمات.
في القاهرة يتفقون على تهدئة لو فعلوها منذ سنوات لرحمونا من حروب ودمار وثكالى ودموع سالت غزيرة في الطريق لتهدئة كان قد فعلها ياسر عرفات. والمثير حقاً أنه يجري الحديث عن خمس سنوات، تماماً كما هدنة عرفات المؤقتة قبل الحل، التاريخ يعيد نفسه ولكنه في دورته الثانية يحتاج الى هذا القدر من الخراب... أيُّ فعلٍ هذا؟ أما في رام الله والمجلس المركزي حيث الحضور الباهت وبلا شركاء الماضي، ولم يُطرح سؤال التمثيل بهذا الشكل في ظل الإصرار على رفض صفقة القرن، وجميعنا يعرف أن الطريق لتلك الصفقة مدخلها الانقسام وانفصال غزة، وها هي تتجسد دون فعل كما يجب من السلطة وحركة فتح التي اعتبرت نفسها لسنوات أم الولد، والتي كان يجب أن تقفز لغزة بكل ما يجب دفعه من ثمن لقطع الطريق، لكنها ظلت بعيداً ترفع سقف شروطها.
لو توزع هذا الفشل سيكون من حظهم، ستضيع الطاسة كما يقولون ولن نعرف من نتهم أو نُتهم جميعاً، وفي هذا ما يشبه التبرئة لكل منهم حين يتحمل الجميع مسؤولية ما آلت اليه الأمور من ركام تراكم أمامنا، الى الدرجة التي أصبح الحديث عن إزالته أشبه بمعجزة، لقد أصابتنا السلطة بلوثة نريدها كلها بلا شريك، أن نحتكر كل شيء... بما فيه الفشل، تصوروا ؟ حتى الفشل..!!!!