المشهد الفلسطيني: ما بين محاولات التضليل والتشتت الوطني

التقاط.PNG
حجم الخط

بخصوص المشهد الفلسطيني، من يتابع تطورات الأوضاع ويحاول رؤية الصورة بشمولية وبوضوح، يدرك تماماً أن هناك تحركات خارجية إقليمية ودولية وبعض المحاولات الداخليّة، في المحصلة النهائية، للأسف مختلف المحاولات حتى ولو نيتها إيجابية، لا ترتقي للمستوى المطلوب لتحسين الوضع الداخلي ولترتيب البيت الفلسطيني، وإذا نظرنا للمشهد الفلسطيني بهذه الأيام، نرى عدة محاولات لإدخال بعض التغيير؛

أولاً- نسمع عن هدنة طويلة الأمد بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، وعلينا النظر لهذا الموضوع بحذر؛ فمن جهة، من الطبيعي أن تلعب مصر دوراً مهماً وأن لا تسمح بانفجار الوضع لحماية أمنها القومي والاستراتيجي، وكما أنه من البديهي لإسرائيل أن تبذل قصارى جهدها لتهدئة الأوضاع وخاصة مع غزة، ليس خوفاً من حماس ولكن خوفاً من الامتداد المرتبط بحماس والذي يصل إيران -منبع الخطر بالنسبة لنتنياهو- فالأمن هو العمود الفقري لقيام الدولة "اليهودية" التي يعمل اليمين المتطرف على تحقيقها من خلال السياسات العنصرية وباستخدام القانون لتكريس الفصل العنصري. المستغرب جداً أننا لا نسمع توضيحاً دقيقاً من الجانب الفلسطيني الذي يمثل الشعب الفلسطيني في مثل هذه اللقاءات والمحادثات ومع هذا الفراغ الذي يتركه المشاركون الفلسطينيون يطلق الإسرائيليون بلاليين اختبار لتضليل المواطن الفلسطيني، وهنا من المحزن والخطير لنا كفلسطينيين أن فصيلاً واحداً أو غيره يسمح لنفسه بتمثيل شعب وبتقرير مصير ملايين بناءً على مصلحة الحزب وليس بما يخدم المصلحة الوطنية العُليا.

ثانياً: قدم الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش مقترحات لحماية الشعب الفلسطيني بناء على طلب الجمعية العامّة بعد استشهاد 171 فلسطينيا في قطاع غزة برصاص القوات الإسرائيلية منذ آذار (مسيرات العودة). المقترحات تتمحور حول:

• تعزيز الوجود الميداني للأمم المتحدة والمراقبين لحقوق الإنسان والأمور السياسية لتقييم الأوضاع في الأراضي المحتلة.

• تقديم المساعدات الإنسانية والتنموية من أجل ضمان رفاهية السكان.

• تشكيل بعثة مراقبة مدنية تنتشر في مناطق حساسة مثل نقاط التفتيش والمعابر وقرب المستوطنات الإسرائيلية تكون مهمتها إعداد التقارير عن مسائل الحماية.

• نشر شرطة أو قوة عسكرية بتفويض من الأمم المتحدة تكون مهمتها توفير الحماية المادية للمدنيين الفلسطينيين.

إذاً، المجتمع الدولي مُتفق أن حماية الشعب الفلسطيني ضرورة مُلحة، ولكن البديهي أن تنفيذ أي من المقترحات الأربعة بحاجة لتعاون بين الإسرائيليين والفلسطينيين بالدرجة الأولى، ومن المستبعد أن توافق إسرائيل على أي من هذه المقترحات، كما أن تشكيل قوة حماية أممية يحتاج إلى قرار من مجلس الأمن الدولي، وهو أمر مستحيل في ظل استعداد الولايات المتحدة لاستخدام الفيتو لعرقلة أي مشروع تعارضه إسرائيل!

ثالثاً: نشهد تكرار محاولات لفتح ولمنظمة التحرير الفلسطينية لترتيب الأوضاع داخلياً، فشهدنا اجتماعات على مستوى المجلس الوطني ثم المركزي والعديد من الاجتماعات للجنة التنفيذية والبيانات النهائية لمخرجات الاجتماعات. المُلفت هنا أن النظام السياسي الفلسطيني يفتقر للانسجام والتوافق بين الأطر التي تدعم وجوده كنظام بالرغم من أننا لا نرى خلافاً جوهرياً بينها على الخطوط الحمراء، فالكل يرفض صفقة القرن، لا خلاف على ضرورة فك الارتباط، لا خلاف على الوحدة الوطنية، المصالحة، حل الانقسام، إعادة النظر بالعلاقة مع دولة الاحتلال، التحلل من التبعية الاقتصادية ولا خلاف على ضرورة إجراء انتخابات وضمان العملية الديمقراطية، ويبقى السؤال ماذا تنتظر قيادة المنظمة للدعوة لانتخابات على كل المستويات وفِي كل الأماكن؟

رابعاً: المشهد يعكس عدم رضى شعبي، من خلال الكتابات والجلسات المغلقة والاستخدام السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، ولكن للأسف حتى المجتمع المدني والنشطاء والمؤسسات المختلفة تماماً مثل الفصائل والأحزاب، الكل يكتفي بالنقد والتنديد دون تقديم بدائل، وهنا في المحصلة فالمشهد يعكس صورة واضحة بحاجة لمعالجة جذرية على المستوى السياسي الداخلي من خلال الانتخابات ولكن الكل يقف مُراقباً وآملاً بانتظار التغيير دون المبادرة لصناعة هذا التغيير من الداخل.

المحاولات المختلفة داخلياً وخارجياً تفتقر للوحدة الوطنية، وهذا يؤدي للتشتت وتضييع الوقت وبالنهاية تحقق إسرائيل أحلام دولة الاحتلال بالقضاء على القضية الوطنية الفلسطينية من خلال تهويد القدس وإنكار المسؤولية تجاه قضية اللاجئين وعدم رسم الحدود وتفضيل الهوية اليهودية على الأرض المقدسة، كل ذلك تحت غطاء الدعم الأمريكي وإشاعات صفقة القرن التي تلهينا بالتفاصيل وتضلل الجماهير الآملة في التغيير.