أسئلة عن تخوين التهدئة

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

بدون الدخول في القضايا الخلافية الجوهرية، أو ما يتعلق بحماس أو غيرها؛ يطرأ بعض الأسئلة الخفيفة عن مسألة الفصل والانفصال، في حال جرى التوصل الى اتفاق تهدئة بين إسرائيل وحماس. فقد سُمعت عبارات تخوين للفكرة نفسها، ما اقتضى الكثير من الأسئلة التي يمكن استعارتها، من التفصيلات الدالة على النوايا وتساعد في تحديد المسؤولية عن أية وجهة حقيقية للانفصال يرصدها الرادار!

هل أدى عباس واجبه المفترض، لطرح قضية الحصار الخانق لغزة، باعتبار أن جوهرها سياسي، لأن من يحتضر، لا يملك ترف ممارسة السياسة حتى وإن استجمع بقايا إرادته وفَجّر الغضب؟ وهل عمل ما يستطيع لكي يؤمن للناس المحتبسين في غزة ممرات آدمية، أم فعل العكس هو وبعض مواليه، الذين كان يدفعهم الى الغمز من قناة مصر، كلما فتحت المعبر أو أدخلت شاحنة بضاعة أو وقود؟

كان بمقدوره أن يحاجج، بأن أي طرف يغلق غزة بجريرة حماس، بمقدوره وفق مبدأ حقه في السيادة على أراضيه؛ أن يمنع دخول منتسبي حماس مثلاً، وإن سلمنا جدلاً. هو يعرف هذا الكلام، ويعرف أن الممرات الآمنة للغزيين الى الخارج والى الضفة، من شأنها تعزيز اللُحمة وتكريس وحدة الوطن في الأذهان، وتحرير النفوس الموجوعة، من مشاعر الإحساس بالظلم والجحود والإقصاء، وأن ما جرى لها، كان بذنب لم تقترفه. فهي تُعاقب لكونها ولدت في غزة وعاشت فيها!

هذه نقطة، على مستوى التفصيل، تدل على أن من يتجه الى الفصل والانفصال، هو نفسه ذلك المتشكي كذباً من الفصل والانفصال، في الوقت الذي يريدهما فيه، عن سبق إصرار وترصد. فالمسألة عنده أسهل من حسم أمر قفة التين أو العنب من الشيخ عجلين. فهو يقول لحماس:"يا بتشيلي يا بأشيل"!

السؤال الثاني وهو أيضاً من التفصيلات: من صيف العام 2007 الى صيف العام 2011 كان من بين الذين تخرجوا من كلية الشرطة في مصر، عدد من أبناء غزة، الذين ابتعثوا للدراسة الشرطية، مع إخوتهم وزملائهم من أبنائنا في الضفة. ومعلوم أن ضابط الشرطة عندما يتخرج، يكون رصيداً للمجتمع في عملية البناء على صعيد حفظ النظام العام. الأبناء المتخرجون الذين من الضفة، التحقوا بجهاز الشرطة الفلسطيني وهذا حقهم الطبيعي، أما الأبناء المتخرجون من غزة، ولا يستطيعون العودة اليها، بسبب الخصومة مع حماس، كان من الطبيعي تغيير وجهتهم الى أرض وطنهم المتاحة، لكنهم اكتشفوا أن هذا ليس حقهم الطبيعي. كانت أقل أضرار اضطرارهم للعودة الى غزة، البقاء بلا عمل. هؤلاء ظلوا في القاهرة، لا تتقبلهم سوى المقاهي، وبلا سمات إقامة نظامية. فهل فكر عباس بإلحاقهم بعملهم في الضفة، لكي يخدموا أهلهم ومجتمعهم ويمارسوا تخصصهم، مثلما كان الإنجليز المستعمرون، يرسلون عناصر شرطة من الناصرة الى خان يونس؟ أم إنه رأى فيهم عناصر غزاوية لا يتقبلها؟

فمن هو، إذاً، الذي يريد أن يفصل غزة ويرميها الى مصيرٍ بائس؟ هل فعل ذلك بجريرة حماس، بينما الشباب من خريجي الشرطة، لم يستنكفوا عن العودة، إلا تحاشياً لأن يصبحوا في قبضة حماس نفسها؟

نعرض مثالاً يتبعه سؤالنا الأخير: عندما اصطدمت عائلة "حِلّسْ" الغزية بقوة حماس الأمنية، وارتسم المشهد المحزن، وجرى ما جرى لشباب العائلة، وخرجوا الى الضفة. ألم يكن موقف عباس، هو الإصرار على نقلهم فوراً الى مصر، وعدم مبيتهم ليلة واحدة في الضفة. ففي ذلك اليوم، لولا ضغوط الفتحاويين الوطنيين، ومن بينهم بعض من يشكلون الآن قيادة التيار الإصلاحي في حركة فتح، لكان عباس قد استمر في الإصرار على طردهم قبل أن يضمدوا جراحهم، علماً بأن ما جرى لهم كان بسبب تمسكهم برمزية المنظمة ورمزية فتح ورمزية عباس ضمناً. يومها سكت حضرته على مضض، عندما تقبل اقتراح توفيق الطيراوي، استضافتهم في الكلية الأمنية في أريحا، وقد اشترط عباس ألا يبرحونها؟!

كان المنطق نفسه، يعني أن غزة مفصولة وأن على الطريد منها أن يذهب الى مصر. لذا فإن صف الكلام عن وحدة الوطن والشعب والمرجعية ومنظمة التحرير، ليس إلا من عدة النصب!

كان شباب عائلة "حلس" يواجهون حماس بمنطق وطني رافض لإقصاء فتح، ومتمسك بوحدة الوطن والشعب ومنظمة التحرير، فلماذا رآهم كغراب البين؟

اليوم يتحدث حضرته عن محاولة انفصال، وعن تجاوز المنظمة. فمن الذي انفصل ذُهنيا، وانفصل بقراراته، وانفصل في مجالسه الخاصة، وانفصل بتغذية المناطقية في عروق الشريحة الموالية المقربة منه، فانزلقت الى إقصاء الكادر من غزة من الجهاز الحكومي، بعد أن أوصلته سياقات العمل وسياقات المواجهة مع حماس الى الضفة؟ ومن الذي عمل على تقزيم المنظمة وتقزيم السلطة، واختزلهما في شخصه، بإطاحة لوائح الأولى وفك وإعادة تركيب أطرها، وتجريف مؤسسات الثانية ورمي وثيقتها الدستورية وراء ظهره؟

على الرغم من ذلك نقول بوضوح: إن من يمارس الإنفصال في منهجية عمله، عليه أن ينظر في المرآة!

لا مستقبل لمشروع انفصال. بل لن تستطيع مليون صفقة قرن، ولا مليون عباس ولا مليون حماس، ولا مليون شريحة مناطقية، ولا مليون اتفاق تهدئة؛ شَرخ وحدة الأرض ووحدة الشعب، أو شرخ وحدة القضية ووحدة المشروع الوطني أو تجاهل الوحدة التمامية لأراضي الدولة الفلسطينية، أو شرخ وحدة الوجدان الفلسطيني وأمانيه. إن هذا هو الثابت، وما دونه زائل!