إبريق الزيت الفلسطيني

تنزيل (2).jpg
حجم الخط

 

يستهجن الفلسطينيون السرعة المثيرة التي حققت فيها قيادة حركة «حماس» تهدئتها مع إسرائيل واستعصاء أي تفاهم مع السلطة الفلسطينية، غير أننا لا نرى الأمر مثيراً ولا جديداً، ولا نستغرب أن يحدث وأن يتكرر. في تاريخ جماعة «الإخوان المسلمين» أنه لا للشراكة، إذ هي تقتطع من حلم التفرد، وتكون غير ممكنة بالنظر إلى أحادية الأشياء كلها ومن ضمنها القيادة التي لا يجوز أن تكون سوى من لون واحد وحيد.


قادة حركة «حماس» يستعيضون في صورة مستمرة عن الوحدة الوطنية بالثرثرة وإعلاء الصوت عن حواراتها ووساطاتها وقرب التوصل إلى اتفاقات حاسمة لإنجازها، لكنهم ما إن تصل ثرثرتهم إلى مدياتها القصوى حتى يهرعوا إلى ميراثهم الذي لا ينضب من افتعال الأزمات وسحب تلك الثرثرات الصاخبة من التداول والعودة من جديد إلى المربع الأول، أي إلى حالة سلطة أمر واقع في غزة لا علاقة لها ببقية فلسطين من قريب أو من بعيد.

هي حكاية إبريق الزيت الخرافية، لكنها بكل أسف تتكرر باعتبارها «منطقاً» سياسياً متكاملاً له من يناصره ويتحمس له، بل يحاجّ به منذ أحد عشر عاماً إلى اليوم. بعض أولئك المتحمسين والمحاجّين يلوذ بفكرة بائسة عن رفضه اتفاق أوسلو وأيضاً فساد السلطة في رام الله، وفسادها يجيز تقسيم ما تبقى من فلسطين، أو كأن حركة «حماس» وصلت إلى السلطة المذمومة عبر مؤسسات تشريعية أخرى لا علاقة لها بأوسلو وتشريعاتها وقوانينها وإشرافها المباشر على إجراء الانتخابات التي خاضتها «حماس» وحققت فيها الفوز وبموجبها سمّت رئيس مكتبها السياسي الحالي إسماعيل هنية رئيساً للحكومة، ثم أقسم اليمين الدستورية وفق ذلك أمام رئيس سلطة أوسلو.

المثير للسخرية أن منطقاً كهذا يسوقه كثيرون من المثقفين. والفلسطيني بحسبهم واحد من اثنين لا ثالث لهما، إما مع هذا المنطق أو مع سلطة رام الله وفساد مؤسساتها، وهي ثنائية يريد أصحابها حشر الفلسطينيين في زاوية ضيقة لا وجود لخيار ثالث أو رابع فيها، بل اعتبار ذلك كله عنوان معركة مبدئية لا يجوز معها إلا الحسم القاطع والاصطفاف مع طرف من الطرفين.

قبل شهور، انشغل فلسطينيو مواقع التواصل الاجتماعي بتصريح كوميدي أطلقه إسماعيل هنية وصف فيه الحياة في غزة بأنها «رغيدة»! والمحزن هنا أن يتراشق هؤلاء بالتهم وعكسها من دون إدراك حقيقي لما يدور حولهم وحجم الأخطار التي تواجهها قضية فلسطين، خصوصاً بعد السعي الأميركي المحموم إلى فرض ما تسميه إدارة ترامب «صفقة القرن»، وتبني الكنيست الإسرائيلي قانونه العنصري. الحالة لا تحتمل الثرثرة السياسية ولا الفذلكة والمماحكات المعادة للمرة المليون فيما المأزق حقيقي وواقعي ويحتاج تغييرُه إلى جهود جبارة فلسطينياً وعربياً وعالمياً.

هو واقع النخبة الفلسطينية التي تشكلت في ظروف الشتات ضمن مؤسسات هجينة لم تستطع ترسيخ تقاليد واضحة تحكم خلافاتها وصراعاتها، فوجدت نفسها تخوض حتى أصغر اختلافاتها خلافات كبرى ونهائية، فكيف بها في الخلافات الكبرى الحقيقية وفي طليعتها كيفية مواجهة الاحتلال؟!

* كاتب فلسطيني