أضواء على عمل «لجنة الجواسيس» الإسرائيلية

تنزيل (24)
حجم الخط


بقلم: يوسي ملمان

توجه فلسطيني من سكان الضفة، مؤخراً، الى الجيش الاسرائيلي وادعى أن رجال الامن في السلطة الفلسطينية يعتبرونه متعاوناً مع اسرائيل، وهم يهددون حياته. طلب الحصول على مكانة خاصة تُمكنه من الانتقال من الضفة الى اسرائيل. وقد تم نقل قضيته الى لجنة خاصة مسؤولة عن معالجة هذه الحالات. اجتمعت اللجنة واستوضحت الامر من الاجهزة الامنية التي عملت وما زالت تعمل مع المتعاونين: "الشباك"، شرطة اسرائيل، ومصلحة السجون.
بعد الاستيضاح توصلت اللجنة الى استنتاج أن مقدم الطلب يقوم بالتمثيل، ورفضت طلبه. فهو لم يكن متعاونا رغم أنه كان معرضا للتهديد الذي كان بمستوى منخفض. الامر الخطير هو أن التهديد كان بسبب افعاله: تم ضبطه أكثر من مرة وهو يمارس اللواط والاغتصاب مع المعاقين. وجاء التهديد من عائلات ضحاياه.
كان هذا الحدث الصعب واحدا من احداث كثيرة تتم في الساحة الخلفية غير المعروفة للسلطة الاسرائيلية في الضفة الغربية. هذا الحدث يلقي بعض الضوء على اللجنة الخاصة التي يعرف اسمها ووظيفتها وافعالها عدد قليل جدا من الناس. في "المناطق" وفي اسرائيل يتحدثون عن اللجنة كأخ عاق للاجهزة الأمنية والوزارات الحكومية.
هذا الجسم الرسمي اسمه "لجنة فحص التهديدات بحق من يدعي أنه متعاون مع اسرائيل"، وهي معروفة أكثر باسم "لجنة المُهددين". وهي مخولة بمناقشة طلبات الفلسطينيين من سكان الضفة والقطاع الذين يدعون أن حياتهم في خطر بسبب التعاون مع القوات الاسرائيلية، أو أنه مشتبه فيهم من قبل جيرانهم واصدقائهم وأبناء عائلاتهم أو السلطة الفلسطينية بالتعاون. 
تقوم اللجنة بفحص الطلبات بناء على مقياسين: الاول – هل توجد اشارات حول وجود التهديد أم أنه تعرض لافعال انتقامية. الثاني – هل يعبر نقله من الضفة الى اسرائيل بشكل مؤقت عن خطر على سلامة الجمهور في اسرائيل. عندما يتم بحث الحالة واقتناع اللجنة أن مقدم الطلب مهدد بالفعل، وأن نقله لا يشكل خطرا على الجمهور في اسرائيل، فإنه يمنح، لاسباب انسانية، الاقامة داخل حدود الخط الأخضر.
اللجنة جزء مما كان يسمى الادارة المدنية في "المناطق". وهي اليوم تنتمي الى وحدة تنسيق اعمال الحكومة في "المناطق" وتعمل في اطار وزارة الدفاع، ويترأسها جنرال (الآن هو مردخاي بولي يوآف)، مهمته التنسيق بين الحكومة والجيش والسلطة الفلسطينية ومنظمات دولية ومنظمات حقوق الانسان.
على رأس لجنة المهددين يقف منذ عام العقيد شارون بيتون، الذي هو ايضا رئيس قسم في وحدة تنسيق اعمال الحكومة في "المناطق". وتقوم اللجنة بالحصول على استشارة قانونية خاصة، ويلعب دور المستشار اليوم المحامي آريه روتر الذي كان حتى 2007 المستشار القضائي لـ"الشاباك". تطلب اللجنة ايضا استشارة "الشاباك" والشرطة ومصلحة السجون، واحيانا تطلب استشارة الجهات التي تشتري الاراضي مثل "الكيرن كييمت" والشركة التابعة لها "همنوتا". تجدر الاشارة الى أن اللجنة تعالج فقط الذين يزعمون أنهم كانوا متعاونين مع جهات حكومية، ولا تناقش المتعاونين مع الجمعيات الخاصة بالمستوطنين.
أُقيمت اللجنة في 1998 على خلفية اتفاقات اوسلو بين اسرائيل و"م.ت.ف" التي تم التوقيع عليها في 1993 وأدت الى انسحاب الجيش الاسرائيلي من مناطق في الضفة الغربية والقطاع. في تلك السنوات أقام "الشاباك" وحدة التأهيل التي تسمى "الادارة الامنية للمساعدة"، والتي تعنى بتأهيل العملاء والمتعاونين وعائلاتهم في الضفة وغزة. ومع مرور الوقت اتسعت هذه الادارة وهي تعالج كل فلسطيني تعاون مع "الموساد" والشرطة والجيش الاسرائيليين. ويترأس الادارة شخص من "الشاباك" برتبة رئيس قسم.
وقد عالجت اللجنة منذ اقامتها عشرات آلاف الفلسطينيين، حيث تمنح بعضهم راتبا شهريا، ونقلت بعضهم الى اسرائيل، على الاغلب في قرى عربية في اسرائيل أو عند البدو، اضافة الى تصاريح الاقامة والعمل داخل الخط الاخضر. وقد دفعت اسرائيل خلال العشرين سنة الاخيرة 5 مليارات شيكل ثمنا لهذا التأهيل.

280 تصريحاً، 80% رفض
رغم عمل اللجنة، إلا أن هناك حالات انسانية حدثت ولم تكن في صلاحية اللجنة. على ضوء الفراغ الذي نشأ فان المستشار القانوني للحكومة في حينه، اليكيم روبنشتاين (وهو اليوم قاض في المحكمة العليا) المعروف بانسانيته وبقلبه الرحيم – لم يستطع البقاء لامباليا. وبناءً على توصيته فقد أقامت الحكومة الاسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو في أيار 1998 طاقما يقوم بفحص كيفية معالجة الاستثناءات الانسانية. وكان الطاقم برئاسة العقيد سامي موتسافي، وأوصى باقامة لجنة مؤقتة لفحص توجهات المهددين.
كما هو معروف ليس هناك في اسرائيل شيء يدوم أكثر من المؤقت. عمل اللجنة استمر 17 سنة عالجت فيها 1500 طلبا لفلسطينيين زعموا أنهم في خطر. 20 بالمئة منها تبين أنها صحيحة. 280 شخص حصلوا الى الاقامة في اسرائيل، 7 منهم تم اسكانهم في مناطق يهودية في "يهودا" و"السامرة"، و80 بالمئة رفض طلبهم. وقد تبين في حالات كثيرة أن مقدمي الطلب هم في ضائقة على خلفية مشكلات مع الجيران أو على خلفية عاطفية ويريدون الهرب من الخطر، وقد توجهوا الى اللجنة بادعاءات كاذبة وكأنهم تعاونوا مع القوات الإسرائيلية.
عملية متابعة الطلبات كانت بطيئة وتسببت بنهاية تراجيدية صعبة. ومنذ دخول العقيد بيتون الى وظيفته بدأ في تسريع متابعة الملفات حيث يتم الانتهاء من كل طلب خلال شهر.
كيف يتم هذا الامر؟ يستطيع فلسطيني الوصول الى مكتب الارتباط في الضفة وحواجز الجيش، أو اذا كان في السجن فيمكنه التوجه الى السلطات في السجن والقول لهم إنه مهدد وفي خطر. بعض المتوجهين لهم محامون في اسرائيل مختصون في هذا الامر، وهم احيانا يستغلون المعلومات بطريقة سيئة. يتم نقل الطلب للجنة التي تقوم بدورها بنقل التفاصيل الى الجهة التي تعاون معها، وهناك يتم فحص الامر بسرعة. أما المرحلة الثانية للفحص فتكون اكثر تعقيدا وأطول.
مقدم الطلب يستطيع الادعاء أنه في اليوم الفلاني وفي الساعة الفلانية تم اطلاق النار على بيته أو على عائلته أو تم وزيع مناشير ضده. في هذه الحالة يمكن التوجه الى مُركز "الشاباك" المسؤول عن منطقته ليقوم بفحص الامر.
بين الفينة والاخرى يتوجه لوطيون فلسطينيون ايضا الى اللجنة، رغم عددهم القليل، ويزعمون أنهم يتعذبون ويتعرضون للخطر – احيانا من السلطة التي تدعي أنها تمثل الدولة الفلسطينية المستقبلية، وأنها تدافع عن مواطنيها. في هذه الحالات، عندما يتضح أن الطلب غير ذي صلة بالتعاون مع اسرائيل وأنه ينبع من الميول الجنسية لمقدمه، فان الطلب يحول الى لجنة انسانية في وزارة الداخلية التي بدورها لا تسارع في متابعة الطلبات الخاصة بالفلسطينيين على خلفية ميولهم الجنسية.
موضوع آخر يقلق اعضاء اللجنة هو بعض المحامين الاسرائيليين الذين يمثلون مقدمي الطلبات. هؤلاء المحامون الذين تخصصوا وامتهنوا الامر يأخذون أجرا يبلغ بضعة آلاف من الشواكل ويرشدون زبائنهم لطرح ادعاءات مختلف فيها. مثلا ناقشت اللجنة ثلاث حالات كانت الادعاءات فيها متطابقة وكأن شخصا ما يقوم بالقص واللصق ويغير الاسم فقط.

ضائعون في الخط الأخضر
مشكلة اخرى هي أن صلاحية الاستئناف على قرارات اللجنة معطاة فقط لمحكمة العدل العليا، وهذا قفز لا حاجة اليه: من لجنة عسكرية برئاسة عقيد بدون مرحلة وسطى مباشرة الى الجهة القضائية العليا.
اليكم مثالا على نقاش كهذا حدث في 2013 في محكمة العدل العليا حيث كان القاضي روبنشتاين ضمن الطاقم وكان المدعي فلسطينيا اثناء وجوده في السجن بسبب مخالفات جنائية. وقد اتضح من الدعوى وقرار الحكم أن اثنين من اخوته قتلا في الضفة على خلفية الاشتباه بالتعاون. وهو نفسه خطف وعُذب من قبل جهات فلسطينية. صادقت اللجنة على أنه كان متهما بالتعاون حتى 2004 وتم خطفه حيث كان متعاونا مع الشرطة مدة عشر سنوات.
وقد تم تلخيص الحالة في قرار الحكم كما يلي: "هذه الدعوى هي طلب المدعي الذي قضى عقوبة في السجن مدة 33 شهرا منذ 2010، وهو يريد الحصول على تصريح بقاء في اسرائيل بسبب التهديدات ضده في المناطق على خلفية التعاون مع قوات الامن الاسرائيلية. وقد تم سجنه بسبب الدخول غير القانوني الى اسرائيل وتجاوز الحدود والسرقة واقتحام أحد المنازل وسرقة بطاقة اعتماد والهرب من الشرطة. الجهة المخولة، رئيس لجنة المهددين، رفضت طلب بقائه في اسرائيل على خلفية اعماله الجنائية وغياب الأدلة حول تهديد حياته في منطقة سكنه".
رغم أن المحكمة اقترحت على اللجنة تحسين أدائها، إلا أنها صادقت على قرارها ورفضت طلب المدعي بسبب خطورته على سلامة الجمهور.
في هذه الاثناء هناك نقاش في لجنة تنسيق اعمال الحكومة ووزارة الدفاع حول مستقبل اللجنة وحول امكانية تغيير مضمونها ونقل صلاحياتها الى جهة اخرى.

عن "معاريف"