تقارير إسرائيلية عن خلافة عباس

e30ba9114c613e09366766481ce09eac.jpg
حجم الخط

 

بعد أن نشرت ثلاثة مواقع إعلامية إسرائيلية، في يوم واحد، تقارير عن سباق التسلّح بين عناصر طامحة الى خلافة رئيس السلطة محمود عباس، وهي من أعضاء مركزيته التي أفرزها أو جدد لها مؤتمره الذي سمّاه سابعاً وعاماً لحركة فتح؛ انبرى بعض المعنيين بالأمر، الى نفي ما جاء في التقارير، وعللوا بأن جهات "موتورة" تقف وراء ما جاء فيها، لإحداث "بلبلة"، وإلا لما كان فحوى هذه التقارير يتطابق وكان النشر يتزامن!

يمكن القول إن التعليل يستند الى استخلاص منطقي، إذا ما أخذنا الأمر على أساس حقيقة لا مراء فيها، وهي أن الإحتلال صانع فتن، وأن الصهيونية، كما البريطانيين من قبلها، اعتمدوا "سياسة فرّق تسُد".

حيال تقارير من هذا النوع، يتوجب أن نكون معنيين بالتدقيق في مضامينها والإجابة عن أسئلة عدة، بكل صراحة وشجاعة:"هل المواقع الإسرائيلية تكذب وتخترع من لا شيء، أم إن هناك شيء بنت عليه؟ وهل يقوم في فلسطين، نظام سياسي رصين، يجعل مثل هذه الدسائس ضرباً من الجنون، لأن خلافة عباس يحسمها النظام السياسي بمحدداته الدستورية والقانونية القائمة على التمكين للإرادة الشعبية، أم إن ترهل هذا النظام وتفشي الشخصنة فيه، ساعدت العدو بغموضه وبتعلقه برجل أمسك بكل الخيوط، على انتاج ما يعتبره المعنيون دسائس؟ ثم إن كان الإعلام الإسرائيلي يكذب، لماذا ينحو الرد الى النفي، دون استعراض الأسباب الموضوعية لهذا التكذيب، والتأكيد على أن الشعب الفلسطيني، لن يقبل زعامة تتمخض عن صراعات بين طامحين أو يفرضها الآخرون؟ ولماذا لا يُقال الشيء نفسه، عن سلطة حماس في غزة، وهي بالطبع تحاول البقاء كسلطة، علماً بأنها الأجدر لدى العدو بالدسيسة، لكنه يراها، كحركة طامحة، وفي يدها سلاح يزعجها، هي التي تفرز قيادتها، دون أن يتسلح الطامحون فيها، وإن تعددت الاجتهادات أو حتى التباغضات الداخلية؟

الشواهد على الحقيقة الموضوعية، تدل على أن إعلام العدو لم يكذب في هذا الشأن ولكنه اجتزأ، والاجتزاء يتعمد التعمية على خلفيات الدوافع، وهذا هو الأخطر والأشد مرارة على النفس الفلسطينية.

نعم هناك طامحون الى خلافة عباس، وهؤلاء، شاءوا أم أبوا، عين كل منهم على اللاعب الإسرائيلي المسيطر على الأرض، لأن كل واحد منهم، يعرف أن حُلم الزعامة ميئوسٌ من تحققه، إن كان هذا اللاعب رافضاً. ونحن هنا لا نتهم أحداً، بأنه لم يحلم إلا بعد أن حصل من العدو، على تطمينات بأن طريقه سالكة. فما يهمنا الآن، هو كشف ألاعيب هذا الإحتلال، الذي يوحي لهذا وذاك بأن الطريق سالكة، لكي "تدق" الجماعات في بعضها البعض، ثم تكون تسوية الفتنة؛ بإحالة الجميع الى معلّم أو وكيل حصري، يؤدي وظيفة الخيط الذي يجمع حبات المسبحة، على قاعدة تضييع المشروع الوطني الفلسطيني والأرض، وتحويل المناطق الى جُزرٍ متباعدة نفسياً، يتحصل وجهاؤها الطامحون على بطاقات المرور السلس بينها واليها!

ليت هؤلاء الذين يحلمون، يطلبون من "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" في بيروت، وهي مستقلة، كتاب د. عادل مناع، عن تاريخ فلسطين في أواخر العهد العثماني، لكي يدرسوا تاريخ الفتن ويأخذوا العبر. فهذا المؤلف والأكاديمي الفلسطيني المرموق، الذي يضع اسمه على الكتاب بدون لقبه العلمي؛ يعود بنا الى يوميات الحياة الفلسطينية قبل وبعد ثورة 1834 ضد حكم ابراهيم باشا ويستند في كل فقرة الى الوثائق والى ما دونه المؤرخون، وكان من بينهم مؤرخون لعموم "جبال فلسطين الوسطى" حسب تعبيره، ومن بينهم مؤرخون لنابلس والخليل وغيرهما.

باختصار، وبلا إطالة، إن ما أصبح عليه حالنا، هو وضعية اللا تشكُّل الكياني والسياسي التي تنشأ عادة بجريرة الدكتاتوريات والاحتلالات، وبخاصة عندما تظن، أن لا حل لتبرم الشعب، إلا بالقبضة الحديدية. فالديكتاور يتعمد، أن يرتب لغيابه، بمراكمة الأسباب التي تجعل الشعب يتباكى على أيامه الجميلة، والبقية عندكم!