«الأونروا».. بين تمادٍ أميركي و»حذر» إسرائيلي!

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

لم تكن الولايات المتحدة الأميركية من أكبر الممولين لأنشطة وخدمات وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" فحسب، فبعد الاطلاع على جملة المداولات والمشاورات التي أدت إلى تبنّي الجمعية العامة للأمم المتحدة لقرارها رقم 302 في كانون الأول 1949، فإن الولايات المتحدة كانت وراء دعم قوي لهذا القرار، كما أنها كانت تصوت كل ثلاث سنوات لتجديد التفويض للوكالة.
واشنطن لم تكن لتتخذ هذه المواقف والقرارات لدعم "الأونروا"، لأسباب إنسانية، كما يبدو عليه الأمر، بل لأسباب تتعلق برؤيتها لطبيعة الصراع في ذلك الحين على ملف اللاجئين الفلسطينيين ودولة الاحتلال الإسرائيلي، من خلال تخفيف حدة التوتر بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال، وتمويل "الأونروا" من قبل الولايات المتحدة بأكثر من 57 في المئة من إجمالي موازنة الوكالة، كان يهدف إلى السيطرة المالية على الوكالة والتحكم ببرامجها، فقد انتهجت الولايات المتحدة تجاه "الأونروا" سياسات تقوم على السيطرة على الوكالة مالياً وإدارياً، من خلال ربط مساعداتها للوكالة بمدى تحقيق مصالحها الإقليمية، وفي جوهر هذه المصالح العمل على توطين اللاجئين في أماكن مخيماتهم أو تشجيعهم للهجرة إلى الخارج خاصة بعد أن تحولت المخيمات إلى بؤرة أولية للكفاح المسلح وقيام الثورة الفلسطينية المعاصرة، من هنا رأت واشنطن إثر اتفاق أوسلو العام 1993 أن بإمكانها التلاعب بالتفويض الأساسي لوكالة "الأونروا" وتغيير أهدافها ومهامها بتقليص أنشطتها وبرامجها من ناحية بالتوازي مع تغيير في أولويات العمل وميادين عملها بحيث تتركز على مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة على حساب مواقع عملياتها في لبنان وسورية والأردن، تمهيداً لنقل مهام الوكالة للسلطة الفلسطينية، ما يعني في نهاية الأمر، تصفية وكالة "الأونروا" من الناحية العملية (عن الملتقى المقدسي).
أثناء ولايتي الرئيس الأميركي أوباما سعت إدارته مع الكونغرس لطرح مشاريع قرارات من شأنها تصفية "الأونروا"، مستندة في ذلك إلى وثائق عديدة حول عمل "الأونروا" خاصة تقرير أعده جيمس جي ليندساي، المستشار القانوني السابق لـ"الأونروا"، والذي تم نشره العام 2009، إلاّ أن هذا السعي لم يتكلل بالنجاح، إلى أن جاءت إدارة ترامب التي وضعت تصفية القضية الفلسطينية من خلال تصفية وكالة "الأونروا"، كهدف رئيس على قائمة استهدفاتها، مترجمة هذه المساعي بقرارات تقليص الدعم للوكالة والسعي إلى إعادة النظر بتعريف "اللاجئين الفلسطينيين" ما يفرغ الوكالة من أهم مهامها وجوهر تفويضها من قبل الأمم المتحدة.
ولعلّ ما يثير الاستغراب من حيث الشكل، أن دولة الاحتلال تتخذ موقفاً حذراً إزاء خطوات إدارة ترامب فيما يتعلق بـ"الأونروا"، ويفسر هذا الحذر على ضوء المساعي للتوصل إلى تهدئة أو هدنة مع حركة حماس، فإسرائيل تخشى أن تؤدي خطوات ترامب هذه إلى تفجير الأوضاع في قطاع غزة بما يؤدي إلى إفشال التهدئة والمصالحة التي ترى إسرائيل فيهما تأميناً لمصالحها الأمنية، لا تريد الدولة العبرية مزيداً من الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية في قطاع غزة، مع إقالة عدد كبير من العاملين في الوكالة ووقف دعم مجالات الصحة والتعليم والإغاثة، ما يدفع اللاجئين، خاصة الشباب منهم إلى الشوارع ثم إلى مواجهات مع جيش الاحتلال، وهذه التحذيرات تم إعلانها أكثر من مرة من قبل المستوى الأمني، حسب المحلل العسكري لصحيفة هآرتس "عاموس هرئيل" عندما أشار إلى أن هذا المستوى كان قد حذر المستوى السياسي أكثر من مرة، من تداعيات إجراءات ترامب فيما يتعلق بـ"الأونروا"، باعتبار أن الرئيس الأميركي يذهب بعيداً من خلال المساس بجوهر حق العودة في حين أن هناك مراجعة أميركية لـ"صفقة القرن" دون أن تحرز مفاوضات الهدنة أي تقدم حقيقي.