"إسرائيل" تبتكر أساليب جديدة لسرقة الأرض وشرعنة الاستيطان

مستوطنة 3.jpg
حجم الخط

يواصل الاحتلال الإسرائيلي العمل بشتى الوسائل لابتكار أساليب وخطط جديدة لسلب الأرض الفلسطينية، وتكريس الاستيطان وتعزيزه وتوسعة المستوطنات، وتطوير البؤر العشوائية تمهيدا لشرعنتها على أنها أمر واقع.

وفي هذا الإطار  كانت المحكمة المركزية الاسرائيلية قضت أمس الثلاثاء، بأن البؤرة الاستيطانية "متسبيه كرميم" التي بنيت على أراض فلسطينية خاصة لن يتم إخلاؤها في هذه المرحلة، كما حمّلت المحكمة الحكومة الإسرائيلية مسؤولية تعويض إخلاء سكانها.

وأقيمت المستوطنة المذكورة عام 1999 على أراض فلسطينية بملكية خاصة تابعة لأهالي قريتي دير جرير وكفر مالك، وكانت الإدارة المدنية التابعة للاحتلال أصدرت منذ العام 2011 أمرًا بوقف أعمال البناء في المكان، كما قدم المجلس القروي لدير جرير استئنافًا للمحكمة العليا الاسرائيلية ضد إقامة البؤرة الاستيطانية على أراضي سكان القرية، وعلى الرغم من الاستئناف إلا أن المستوطنين قاموا بإضافة 20 مبنى متنقل والسكن فيها خلال تلك الفترة.

وادعت المحكمة بأن البؤرة الاستيطانية "بنيت بحسن نية على أراض خصصت من قبل الدولة"، ولذلك فان الدولة ملزمة بالدفاع عن حقوق سكانها.

جاء قرار المحكمة على خلفية دعوى مضادة من قبل سكان البؤرة الاستيطانية الذين قدموا التماسًا ضد الفلسطينيين وضد الحكومة الإسرائيلية بأنها تنكرت للمسؤولية عنهم ووافقت على أن الحديث يدور عن أراضي خاصة.

وكانت مصادر إسرائيلية وصفت قرار المحكمة ب"السابقة القضائية" حيث أنه ولأول مرة تستخدم المحكمة ما يطلق عليه "بند تنظيم السوق"، والذي حدد بموجبه بأن المسؤولية للحل وتعويض أصحاب الأراضي الفلسطينيين، إن اثبتوا بأنهم أصحابها، هي على الحكومة الإسرائيلية، وعليهم من الآن فصاعدًا الدفاع عن حقوق سكان البؤرة الاستيطانية الذين سكنوا هناك بموافقة الدولة.

وقالت المصادر إن "الحكم القضائي جاء بعد مجهود بذلته وزيرة القضاء آييلت شاكيد منذ أشهر لاعتراف الحكومة الإسرائيلية لأول مرة بالبند 5 (تنظيم السوق)، حيث قدمت الحكومة قبل شهر ونصف موقفها الذي يضم الاعتراف بالبند 5، والان أعطت المحكمة موافقتها عليه".

وأضافت: "تنظيم السوق هو عقيدة قانونية تمكن من بيع عقار من قبل من لا يملكه اذا كان الامر قد تم بحسن نية، بناء على ذلك تدعي الدولة انه بالإمكان الموافقة على البؤرة الاستيطانية اذا تم الاثبات أن الدولة خصصت الأرض للمستوطنين وكانت تعتقد خطأ بأن المنطقة هي أراضي دولة".

وينعكس القرار المذكور على مئات الوحدات الاستيطانية بالضفة الغربية، بحيث لن تكون هنالك حاجة من الآن فصاعداً لإخلاء هذه الوحدات.

وتشير معطيات نشرتها الدائرة المركزية الإسرائيلية للإحصاء، في منتصف العام 2017، أن هنالك ارتفاعاً وصل إلى 70,4% في عدد الوحدات الاستيطانية التي بدأ العمل على بنائها في المستوطنات المقامة على أراضي الضفة.

وتعتبر المستوطنات حسب القانون الدولي مناقضة لكل المبادئ الدولية وميثاق الأمم المتحدة، ورغم صدور مجموعة من القرارات الدولية ضد المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، والمطالبة بتفكيكيها ووقف بناءها، إلا أن دولة الاحتلال تواصل "إدارة ظهرها" لكل القرارات والمواثيق الدولية، والتي كان آخرها القرار رقم (2334) الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 23 كانون أول/ ديسمبر من العام 2017، والذي طالب بوقف فوري وكامل للاستيطان بالضفة والقدس.

وقالت وزارة الخارجية والمغتربين في بيان صحفي، إن الاستهتار الإسرائيلي بالقانون الدولي واتفاقيات جنيف وإرادة السلام الدولية والاتفاقيات الموقعة بلغ حدًا يجعل كل من يصمت عليه شريكًا ومتواطئًا في كل ما يقوم به الاحتلال من جرائم ضد الأرض والإنسان الفلسطيني، وهو ما تجسد جليًا في القرار الأخير للمحكمة المركزية في القدس المحتلة القائل أن الاستيطان في أراض فلسطينية خاصة مسموح به (اذا كان بحسن نية)، في دليل جديد أن ما يُسمى بالقضاء في إسرائيل جزء لا يتجزأ من منظومة الاحتلال نفسه، وأن قراراته سياسية بامتياز ولا تمت للقانون بصلة، وهي تكريس لنظام الفصل العنصري في فلسطين المحتلة، ليس هذا فحسب بل حولت تلك المحكمة (القانون) الى "مسخرة" و"نوادر" في خدمة ايديولوجية اليمين الحاكم في اسرائيل ومصالح جمهوره من المستوطنين.

ورأت الوزارة الخارجية أن هذا القرار يندرج في إطار استبدال مبادئ القانون الدولي بمفردات وعبارات مختلقة غير قانونية يصعب قياسها أو تفسيرها، وتمنح الشرعية لمزيد من الانتهاكات والجرائم بحق أبناء شعبنا من سرقة أرضه وحتى الإعدامات الميدانية وفقاً لـ (تقديرات جنود الاحتلال والمستوطنين وأهوائهم وحسن نواياهم).

وأدانت الوزارة الاستيطان برمته، والذي هو غير شرعي وغير قانوني وباطل من أساسه، مؤكدة أن هذا الاستخفاف يُشكل عدواناً فاضحاً على القانون الدولي، وأن المنظومة الدولية تحولت بالفعل الى أشبه ما تكون بالمنتدى أو المحفل الدولي الذي يقوم بإصدار بيانات إدانة للاستيطان لا تغني ولا تسمن من جوع ولا تترك أي أثر يُذكر، أو إصدار قرارات أممية لا تنفذ، وهو ما باتت الحكومة الإسرائيلية تتعايش معه وتعتبره تشجيعاً لها لتنفيذ المزيد من مخططاتها الاستعمارية التوسعية.

من جانبه أكد الخبير في القانون الدولي، حنا عيسى، أن سلطات الاحتلال تعتمد "أساليب خبيثة في السرقة والاستيلاء على الأراضي والحقوق الفلسطينية".

وأضاف خلال تصريحات صحفية، أن "الاستيطان الإسرائيلي في الأساس غير قانوني وغير شرعي، وعليه فكل ما تتفوه به المحكمة أو الحكومة الإسرائيلية أو بلدية الاحتلال في القدس؛ هو غير قانوني وغير شرعي".

وشدد عيسى على أن "الاحتلال مؤقت، ويجب أن يزول بزوال مسبباته"، مشيرًا إلى أنه "لا يوجد شيء اسمه حسن نية إلا في تطبيق المعاهدات الدولية أو الاتفاقات الثنائية عند تطبيقها، وذلك كما ورد في معاهدة الاتفاقات الدولية لسنة 1969".

وأشار إلى أن كلمة "حسن نية، لا تنطوي على احتلال حربي، وعليه فالاحتلال الناشئ عن الحرب لا يؤدي إلى نقل السيادة على الإقليم المحتل كما جاء في اتفاقية لاهاي لسنة 1907، كما أن ما يسمى بند تنظيم السوق يتعلق بالتجارة وما يجري من قبل الاحتلال لا علاقة له بذلك، فكيف يحق لإسرائيل أن تتاجر في أرض الغير؟".

وأضاف: "هذه أرض فلسطينية معترف بها قانونا وبقرارات الشرعية الدولية، وباعتراف أعضاء مجلس الأمن الدائمين وغير الدائمين، بقراري 242 و 338، وبالتالي فإن الحكم الصادر استنادا إلى هذا البند، هو حكم فارغ، لأن الأرض الفلسطينية ليست للتجارة".

وختم الخبير القانوني: "يجب على سلطات الاحتلال التقيد بالقانون الدولي، وكل شيء انتزعته بالقوة العسكرية أو عبر الاحتيال غير القانوني أو بغيرهما يجب أن يعود لأصحابه".