رسالة للدكتور إبراهيم أبراش.. لديك فرصة لإنقاذ جامعة الأزهر..!

اكرم عطاالله.jpg
حجم الخط

نتهاتف بشكل شبه يومي، ونلتقي على الأقل مرة أو مرتين أسبوعياً. نتحادث في الكتابة والكتاب، في الثقافة والمثقفين، وفي السياسة والسياسيين وفي كل شيء، ولا ضير أن ننقل جزءاً من الحديث بيننا على الملأ لنُشرك الرأي العام. هكذا يفعل كثير من الكتاب، وجرت العادة أن يتبادلوا الرسائل أمام الشهود، خاصة في قضايا بحاجة أحياناً إلى قرارات، ويكون الشهود شركاء في اتخاذها وتحمل مسؤوليتها.
هذه المرة لن أحدثك ككاتب، بل كرئيس لمجلس أمناء جامعة الأزهر، وهي المهمة الجديدة التي تم اختيارك لها منذ أقل من شهر، وهي مَهمة ليست بالسهلة في قطاع غزة الذي تتعرض مؤسساته للانهيار بفعل ما مر به من ظروف كانت وما زالت عصية على التفسير، وتضع خيار الفشل كخيار شبه وحيد أمام هذا الواقع، ومثلي كصديق لا يتمنى لك ولمجلس الأمناء الجديد سوى النجاح رغم إدراكنا جميعاً أن هذه أمنية صعبة في هذا الواقع الصعب.
قبل سنوات، كتبت مقالاً عن أزمة الجامعات في قطاع غزة، تحديداً المالية، عندما بدأت الجامعة الإسلامية تقتصد في رواتب الأساتذة والعاملين؛ بفعل تراجع دخل الجامعات؛ لانحسار دخل أولياء الأمور وعدم قدرة الأبناء على الوفاء بالرسوم، وهذا وضع طبيعي. وقبل المقال، سألت عن أوضاع جامعة الأزهر، فعرفت أنها غارقة مثل زميلاتها بالديون، وأن الأمور تسير نحو إفلاس الجامعات، وفهمت أيضاً أن جامعة الأزهر ذهبت إلى صندوق معاشات الموظفين لسداد التزامات في الجامعة.
لا أعرف بالضبط كم تبلغ ديون الجامعة التي تحملتم مسؤوليتها، لكن أعرف أنها بالملايين. ولا أعرف أيضاً كم تبلغ رواتب العاملين فيها، لكنها تتجاوز المليون دولار شهرياً، ولا أعرف حجم مدخولات الجامعة، لكن أي مواطن أو متابع في قطاع غزة يرى ويراقب ويجري عملية حسابية بسيطة يمكنه أن يجزم بأن حجم المصروفات أعلى من حجم الإيرادات، وهذا يعني أن الجامعات في قطاع غزة آخذة بالغرق وأولها جامعة الأزهر.
أذكر سابقاً أنني كتبت أن من الطبيعي أن تدخل تلك الجامعات في أزمة مالية، ليس فقط بسبب حالة الفقر التي تمر بها غزة، والتي تتراكم لتصبح كل سنة أسوأ من سابقتها، بل أيضاً لأن هناك إهداراً مالياً غير مفهوم، تحديداً في جامعة الأزهر التي تستطيع أن توفر نصف الرواتب شهرياً، وبالتالي يمكن القول: إن جامعة الأزهر وغيرها من الجامعات تهدر ما يصل إلى نصف مليون دولار شهرياً بلا سبب.
والسبب في ذلك هو عملية الفصل بين الجنسين في الفصول الدراسية، ما يعني ببساطة أن الأستاذ الجامعي مضطر لأن يعطي جهداً مضاعفاً ويكرر المحاضرة، مرة للشباب ومرة للشابات. هذا يعني أن الجامعة مضطرة لدفع سعر المحاضرة مرتين، وقد يكون عدد الطلاب في بعض أو كثير من المحاضرات لا يتجاوز أصابع اليدين.
وإذا كان الفساد المالي بإهدار المال العام، فهذا يعني أن هناك فساداً تواطأ الجميع على استمراره في جامعة الأزهر وبقية الجامعات بلا سبب مقنع، خصوصاً في تلك الجامعة التي يختلط فيها الطلاب بالساحات العامة وفي حديقتها الخارجية وفي برنامج الماجستير، وأيضاً في كلية الدراسات المتوسطة، وفي هذا الزمن الذي انتشرت فيه وسائل التواصل الاجتماعي، تحديداً "فيسبوك" التي يمكن للجنسين أن يتواصلا بعيداً عن الأعين، لا أعتقد أن وجودهما في فصل دراسي أمام الجميع وأمام الدكتور المحاضر يشكل خطورة أو فساداً اجتماعياً كما يروج الذين يصرون على أن تبقى في القاع، وأعتقد أنك قمت بتدريس برنامج الماجستير المختلط في الجامعة نفسها ولم تلاحظ ولم تسمع عن أي تجاوز يمس الشرف أو الدين، فلماذا الإصرار حتى الآن على عملية الفصل التي لا تستطيع جامعة الأزهر تحمل كلفتها وأنتم أعلم مني بحجم الديون وحجم الرواتب وحجم الدخل؟ هذا الفصل يحتاج إلى دول مثل الخليج تقف خلفها آبار بترول، أما في المناطق الفقيرة مثلنا يصبح الأمر أشبه بنكتة.
جامعة بيرزيت جامعة مختلطة منذ نشأتها، وجامعة النجاح التي كان يرأسها رئيس الوزراء الحالي أيضاً جامعة مختلطة، ومعظم جامعات الضفة الغربية كذلك، ونحن أبناء مجتمع واحد وثقافة واحدة، ومن الغريب أن تكون الجامعات في محافظاتنا الشمالية على خلاف جامعات المحافظات الجنوبية، والتي هي بحاجة دوماً إلى الاقتصاد والتوفير؛ نظراً لأنها تعمل في بيئة بغاية الفقر، وهي أحوج لاقتصاد كل دولار، ولأن هناك شعباً واحداً بثقافة واحدة وليس شعبين، حتى يكون شعب الضفة بثقافة مختلفة عن شعب غزة.
الأمر بحاجة إلى نقاش حقيقي وقرار حكيم يتخذه مجلس الأمناء وبلا خوف أو اعتبارات إلا لمصالح الجامعة والطلاب. إذا كان لدى الجامعة فائض من الأموال ومعرفتي غير ذلك، لكن إذا كان هناك فائض يجب دمج المحاضرات بهدف توفير نصف الجهد والمال وتخفيض نسبة الرسوم على الطلاب في هذا الظرف العصيب، فما بالنا إذا كان الطلاب وعائلاتهم لا يجدون قوت يومهم وجامعة تعاني من تراكم الديون وتستمر في التغاضي عن حلول أزمتها؟
أغلب الظن أن هذا يجب أن يوضع على طاولة البحث، ويجب أن تبدأ به جامعة الأزهر والمحسوبة على حركة "فتح" التي تدير السلطة في الضفة الغربية، بفكر وثقافة مختلفين عن طريقة إدارة جامعة الأزهر في غزة. وأغلب الظن أن هذه الخطوة ستخرج الجامعة من أزمتها. ويمكن الاعتقاد أن جامعات كثيرة في غزة ستحذو حذو جامعة الأزهر، وسيحسب لكم أن وصولكم لقيادة جامعة الأزهر قد أوجد الحل لجميع أزماتها، وهذا يسجل في تاريخكم وتتركونها ليس كما تسلمتموها غارقة في الديون، وإذا لم تفعلوا ذلك لن تستطيعوا النجاح إطلاقاً، فالعملية الحسابية واضحة وستنتهون بمزيد من الديون، وليس هكذا يقود مثقف مثلك يجب أن يترك بصمته الناجحة. الأمر مدعاة للنقاش ليس فقط الخاص بل أيضاً على الملأ؛ لأن الأمر يخص الشعب وأمواله المهدورة ورفع الرسوم بفعل الفصل ويخص أبناءه أيضاً...!!