أثارت التسريبات الأميركية عن احتمال الإفراج قريباً عن جوناثان بولارد، أشهر سجين أميركي مُدان بالتجسس لصالح إسرائيل، شبهات بوجود صفقة محلية بين إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما وأنصار إسرائيل في الكونغرس، متفرّعة من الصفقة المتعلقة بالاتفاق النووي مع إيران.
وعلى الرغم من النفي الرسمي الأميركي لوجود أي صلة بين الإفراج المحتمل عن الجاسوس السجين، الذي سبق أن رفض الرئيسان السابقان بيل كلينتون وجورج بوش إطلاق سراحه بعفو رئاسي، والاتفاق النووي، إلا أن حاجة أوباما إلى تقديم ثمن لأنصار إسرائيل في الكونغرس، في مقابل التوقف عن محاولات إجهاض الاتفاق، ساهمت في رفع منسوب التكهنات بوجود صفقة من هذا النوع.
وفي سياق تمرير الاتفاق، كشف المسؤول السابق في البيت الأبيض، الجمهوري ميكلوف رافان، في تصريحاتٍ لـ "العربي الجديد"، أن "هناك مفاوضات تجري حالياً بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، قد تُفضي إلى حلول وسط، تسمح بتمرير الاتفاق النووي"، الذي وصفه ميكلوف بـ "الصفقة المشؤومة"، لكنه نفى علمه بأي صفقة جانبية تتعلق بإطلاق سراح بولارد.
كما نفى مسؤولون في الحزب الديمقراطي من أعضاء إدارة أوباما في تصريحات نقلتها عنهم صحف أميركية بارزة من بينها "نيويورك تايمز"، وجود صفقة أو علاقة بين إطلاق بولارد وتمرير الاتفاق النووي في الكونغرس.
مع ذلك، تضاربت الأنباء التي أوردتها مصادر إعلامية أميركية عدة، بين من يتحدث عن إفراج وشيك لبولارد خلال أيام أو أسابيع، وقبل انتهاء مهلة الستين يوماً الممنوحة للكونغرس لإبداء وجهة نظره في الاتفاق، وبين إشارات أخرى إلى وعد بالإ‘فراج عنه سيتمّ في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وتُفيد الأنباء بأن "بولارد قد يخرج في نوفمبر، إما بعفو رئاسي، أو عبر عدم ممانعة وزارة العدل الأميركية الإفراج المشروط عنه، لوجود قانون يسمح بإطلاق سراح السجين بشروط إذا أمضى 30 عاماً في السجن. وهو ما يُتمّمه بولارد في نوفمبر المقبل". حتى إن وزارة العدل أكدت، في بيان، أن "انتهاء المدة المُشار إليها، تعطي بولارد الحق القانوني بالإفراج المشروط بحسن السلوك، وفرض رقابة منزلية محدودة عليه"، وهو البيان الذي عزز التكهنات باقتراب موعد الإفراج عنه.
وعززت تلك الأنباء مبدأ "الصفقة الجانبية"، لحاجة أوباما إلى تمرير الاتفاق النووي في الكونغرس، لتعويله على نجاح الاتفاق مع إيران، بغية تحقيق "إنجاز سياسي تاريخي" له، تحت شعار "تأجيل مشروع طهران لإنتاج القنبلة النووية بين 10 سنوات إلى 15 سنة".
ويُفسّر بعض المراقبين خطوات وأنشطة أوباما الأخيرة، في إطار "تهيئة الرأي العام الأميركي لتقبّل الإفراج عن مُدان، اعترف بالتجسس على بلاده لصالح دولة أجنبية"، في حالة هي الأولى من نوعها أميركياً، إذ لم يجرؤ من سبق أوباما في الرئاسة، على تسهيل تحدّي مشاعر الأميركيين بإطلاق سراح جاسوس مثل بولارد.
غير أن عددا من المختصين في القانون من غير المنخرطين في العمل السياسي، يعتبرون أن "الإفراج عن بولارد مسألة قانونية بحتة، لن يكون لأوباما أي فضل في إتمامها، لأن السجين يكون قد أمضى المدة القانونية، التي تؤهله للحصول على إفراج مشروط".
ويردّ بعض السياسيين على هؤلاء بالقول إن "مدة الثلاثين عاماً لن تنتهي إلا في نوفمبر المقبل، وأن التبكير في طرح مسألة الإفراج ليتزامن مع الجدل بشأن الاتفاق النووي، مسألة لا يمكن اعتبارها بريئة على الإطلاق سياسياً".
يشار إلى أن أوباما خلال الحملة التي شنّها على أنظمة السجن الأميركية، منذ نحو أسبوعين، دعا لاتخاذ إجراءات من بينها اختصار سنوات العقوبة وتخفيف الاكتظاظ في السجون. واعتبر أن "السجون الأميركية أصبحت مكتظة أربع مرات زيادة عن العام 1980 ومرتين أكثر مقارنة مع الوضع منذ 20 عاماً". وكشف أوباما أن "ربع السجناء في العالم موجودون في الولايات المتحدة، وأن معدل الإيداع في السجون الأميركية يصل إلى أربعة أضعاف المعدل في الصين، في حين إن عدد سكان الولايات المتحدة أقل من 5 في المائة من سكان العالم".
وألمح أوباما أن "معظم القوانين القاسية تعود إلى عقد الثمانينيات، وهو العقد الذي أُلقي القبض فيه على بولارد، الذي لم يذكره الرئيس الأميركي بالاسم.
وقال أوباما في حينه، إن "العقاب في قضايا عدة لا يتناسب مع الجريمة"، داعياً إلى "اختصار العقوبات المتعلقة بجرائم لم يتخلّلها عنف". وهي الإشارة التي عززت الاعتقاد لاحقاً بأنه يقصد بذلك بولارد. وأشار أوباما أيضاً إلى أن "كثيرا من المدد الطويلة تتعلق بتجار المخدرات، الذين لم يدخلوا هذا المجال سوى لفترة قصيرة، إلا أنهم يسجنون لفترات طويلة لا تتناسب مع حجم الجريمة التي ارتكبوها". وتطرّق أوباما إلى "محاسن إطلاق بعض السجناء ودمجهم في المجتمع".
يشار إلى أن إدارة البيت الأبيض الحالية، وعكس الإدارات السابقة، أبدت استعدادها في أكثر من مناسبة لإطلاق سراح جوناثان بولارد، في مقابل تحقيق مكسب سياسي مناسب. وكان بولارد المولود في ولاية تكساس عام 1954، يعمل محللاً مدنياً لدى استخبارات القوات البحرية الأميركية، وأُدين بتهمة "التجسس على الولايات المتحدة واستغلال منصبه لتسريب معلومات لصالح إسرائيل" عقب اعترافه بارتكاب الجرم. رغم أن إسرائيل ظلت تنفي علاقتها به على مدى سنوات، إلا أن مطالبتها عام 1998 بالإفراج عنه فضحت هذا الارتباط، وبعد ذلك بعشرة أعوام منحته الجنسية الإسرائيلية.
وكانت المطالبة الإسرائيلية بالإفراج عن بولارد قد جاءت في أواخر عهد الرئيس بيل كلينتون على أمل أن يحظى بعفو رئاسي، وتكررت المطالبة سراً وعلناً في عهد الرئيس اللاحق جورج بوش ولكن دون جدوى، فالصلاحية التي منحها الدستور للرئيس الأميركي في الإفراج عن بعض السجناء بعفو رئاسي، نادراً ما تطاول المتهمين في قضايا الخيانة الوطنية.
غير أنه لا يزال هناك من يلوم إدارة أوباما بأنها أضاعت الاستفادة سياسياً من قضية بولارد، معتبرين أن "المقايضة حالياً بهذه القضية أصبحت غير مجدية، تحت ذريعة أن بولارد بات على مشارف الخروج من السجن في نوفمبر".